كتاب نثر الورود شرح مراقي السعود (اسم الجزء: 1)

خبرها، ولم يقل أحد إنها لابد أن تكون يحصل بها التواتر المفيد للقطع.
وأما دلالة السنة فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يرسل الرسول الواحد والرسولين في مُهِمَّات الدين، ولو لم يكن ذلك حجة لما أَرْسَل إلى الناس من ليس في خبره حجة.
وأما الإجماع فقد اشتهر بين الصحابة الرجوع إلى أخبار الآحاد من غير نكير، ومن تتبع وقائعهم في ذلك حصل له العلم بأنه لا مخالف منهم في ذلك، فمن ذلك رجوع عمر بن الخطاب إلى خَبَر عبد الرحمن بن عوف أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ الجِزْية من مجوس هَجَر (¬١)، وكرجوع أبي بكر رضي اللَّه عنه لخبر المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدة بعد أن قال لها: مالكِ في كتاب اللَّه شيء ولا علمتُ لكِ في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا (¬٢).
---------------
(¬١) أخرجه البخاري رقم (٣١٥٧) من حديث عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-.
(¬٢) أخرجه مالك في "الموطأ" رقم (١٤٦١)، وأبو داود رقم (٢٨٩٤)، والترمذي رقم (٢١٠٠)، وابن ماجه رقم (٢٧٢٤)، والنسائي في "الكبرى" رقم (٦٣٤٦)، وابن حبان "الإحسان" رقم (٦٠٣١)، والحاكم (٤/ ٣٣٨) كلهم من طريق قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر. . .
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان، وابن الملقن. لكن قبيصة لم يسمع من أبي بكر فهو مرسل، قال ابن عبد البر في "التمهيد": (١١/ ٩١ - ٩٢): "وهو حديث مرسل عند بعض أهل العلم بالحديث لأنه لم يذكر فيه سماع لقبيصة من أبي بكر ولا شهود لتلك القصة، وقال آخرون هو متصل لأن قبيصة بن ذؤيب أدرك أبا بكر وله سن لا ينكر معها سماعه من أبي بكر رضي اللَّه عنه" اهـ، وضعفه ابن حزم وعبد الحق وابن القطان. انظر "البدر المنير": (٧/ ٢٠٦ - ٢٠٩).

الصفحة 348