كتاب نثر الورود شرح مراقي السعود (اسم الجزء: 1)

يعني أن كل مبتدع ببدعة يكَفَّر مرتِكبُها كجهم بن صفوان فإنه لا يُعتبر في الإجماع، فلا تقدح مخالفته في انعقاد الإجماع إذِ العبرةُ بالمسلمين دون غيرهم، فالمراد بالأمة فيما مضى أمة الإجابة فقط لا أمة الدعوة (¬١).

٦٠٩ - والكلُّ واجبٌ وقيل لا يضرّ ... الاثنانِ دونَ من عليهما كَثُرْ
يعني أن جميع مجتهدي العصر يجب -لانعقاد الإجماع- اتفاقهم كلهم، فلو خالفَ واحدٌ لم ينعقد الإجماع، وهو مراده بقوله: "والكلُ واجب"، ومحققوا الأصوليين يعتبرون موافقةَ داود مطلقًا خلافًا لمن قال: لا يعتبر مطلقًا، ولمن قال: لا يعتبر في المسائل التي مبناها القياس دون غيرها (¬٢).
وقوله: "وقيل لا يَضُرّ" يعني أن بعض العلماء قال: لا يضر مخالفةَ الواحد أو الاثنين وإنما يضر ما زاد على ذلك، وممن قال بهذا القول ابن خويز منداد وابن جرير الطبري، ولذا ذكر ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام/ ١٢١] أنَّ جوازَ أكل ذبيحة الناسي للتسمية مُجمع عليها مع أنه روى كراهةَ أكله عن الشعبي وابن سيرين (¬٣)، والكراهةُ عند السلف كثيرًا ما تطلق على المنع، فخلاف الشعبيِّ وابنِ سيرين عنده لم يقدح في الإجماع.
---------------
(¬١) انظر "النشر": (٢/ ٧٨ - ٧٩).
(¬٢) انظر ما سيأتي في كتاب الاجتهاد (ص/ ٦٦٤).
(¬٣) "تفسير الطبري": (٩/ ٥٢٨ - ٥٢٩) وليس فيه حكاية القول عن الشعبي، مع أن ابن كثير في "التفسير": (٣/ ١٣٥٥) نقل عن ابن جرير ما نقله المؤلف.

الصفحة 391