كتاب نثر الورود شرح مراقي السعود (اسم الجزء: 1)

المتقدم: "وما ينافي نَقْل طيبة مُنِع إذ ذاك قطعيٌّ".
وقوله: "وقيل مطلقًا" يعني أن بعضَ المالكية قال: إن إجماع أهل المدينة حجة ولو كان فيما للاجتهاد فيه مجال.
وجمهور العلماء لا يحتجون بإجماع أهل المدينة، وحجة الجمهور: أنهم بعض الأمة يجوز في حقهم الخطأ.
وحجة مالك أن نقلَهم فيما لا مجال للرأي فيه يدلُّ على أن ذلك بتوقيف من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإذًا فهو نقل متواتر عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما تقدم في قوله: "إذ ذاك قطعيٌّ".
وحجة من قال بأن إجماعهم (¬١) حجة مطلقًا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدينة كالكير تنفي خَبثَها كما ينفي الكير خبث الحديد" (¬٢)، قالوا: والخطأ خُبْثٌ فوجب نفيه عنهم. وهذا الاستدلال ضعيف لأن الحديث لا يدل على أن أهل المدينة لا يخطئون، وما ذكره القرافي (¬٣) من أن منطوقَ هذا الحديث مقدَّم على مفهوم حديث: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" (¬٤) لا تنهض به حجة أيضًا؛ لأن حديث: "المدينة كالكير" لا دلالة فيه على أن قول أهلها حجة.
---------------
(¬١) الأصل: الإجماع.
(¬٢) أخرجه البخاري رقم (١٨٧١)، ومسلم رقم (١٣٨٢) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(¬٣) في "شرح التنقيح": (ص/ ١٣٣٤).
(¬٤) تقدم تخريجه.

الصفحة 396