كتاب نثر الورود شرح مراقي السعود (اسم الجزء: 1)

ويجري على الخلاف في ذلك الاختلاف في الاحتجاج بالإجماع السكوتي، وهو أن يقول بعض المجتهدين حكمًا ويسكت جميع الباقي منهم ولم ينكروا عليه، فعلى أن السكوت رضًا وإقرار؛ فالسكوتيُّ إجماع لدلالة السكوت على موافقة الساكتين. وعلى أن السكوت ليس برضا ولا إقرار؛ فالسكوتيُّ ليس بإجماع وهو قول الشافعي (¬١)، واختيار الباقلاني ممت المالكية (¬٢). قال الشافعيُّ: لا يصح أن يُنْسَب للساكت قول (¬٣).

والاختلاف في الإجماع السكوتي مُقيَّد بثلاثة شروط:
الأول: هو ألَّا يقوم دليل على أن الساكتين أو بعضهم ساخطون لذلك الحكم غير راضين به، فإن قام على ذلك دليل فليس بإجماع اتفاقًا.
الثاني: ألَّا يقوم دليل على أن الساكتين كلَّهم راضون بذلك الحكم موافقون عليه، فإن قام دليل على ذلك فهو إجماع اتفاقًا. وهذان الشرطان هما مراد المؤلف بقوله: "وهو بفقد السخط والضد حري" فالسُّخط -بضم السين- يعني به كراهية الساكتين للحكم الذي نطق به البعض، والألف واللام في قوله: "الضد" عِوَض عن المضاف إليه، أي ضِدِّ السخط وهو الرضا. وقوله: "حري" معناه حقيق وجدير، والضمير في قوله: "وهو" عائد إلى السكوت الذي فيه الخلاف المذكور.
---------------
(¬١) انظر "قواطع الأدلة": (٣/ ٢٧٣ - ٢٧٤).
(¬٢) انظر "البرهان": (١/ ٤٤٧).
(¬٣) قال الشافعي في "اختلاف الحديث - مع مختصر المزني": (ص/ ٥٠٧): "ولا يُنْسَبُ إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل".

الصفحة 405