كتاب نيل الأمل في ذيل الدول (اسم الجزء: 1)

من الدولة التركية أفضل منه، ولا أجمع للفنون والفضائل، مع علمي من ولي مصر قديما وحديثا من يوم افتتحها عمرو بن العاص إلى يوم تاريخه، ولو شئت لقلت: ولا من بني أيوب! ثم أخذ بعد ذلك يذكر كلاما طويلا لا طائل تحته، ولا يصدر عن من له أدنى مسألة في معرفة نقد الناس والوقوف على سيرهم وأحوالهم وأخبارهم إمّا بالمشاهدة والعيان، أو بالخبر والبرهان. ورأيت هذا المسكين في غاية الجهل بمراتب الناس ومعرفة ذلك وما لهم من المقامات الذاتية والعرفية مع ما عرفته من ترجمتنا لتمربغا هذا وإيصالنا له إلى حقّه، لكن بحيث يصل الإنسان في الإطراء إلى مثل قول هذا القائل فلعلّ هذا المقال يؤدّي إلى الهبال، وما جميع من ملك مصر مع بني أيوب لا سيما السلطان السيد الشهيد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلاّ كما قال الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل نوفل ... ونزلت بالبيداء أبعد منزل
وكذا (مع الصالح نجم الدين أيوب، ووالده الكامل محمد، بل ووالده العادل أبو بكر بن أيوب) (¬1)، فليس من الإنصاف، بل ولا من الدين، لا سيما لمن يدّعي أنه مع علمه بكذا وكذا، وأنّ له علما أن يقول مثل هذا المقال، اللهمّ إلاّ أن يكون به الخبال، فانظر بعين الإنصاف وتجنّب الاعتساف. وعلى تقدير تسليم ما قاله، كيف يدّعي لصاحب مدّة قصيرة لم تظهر له ثمرات في تصرّفاته، بل ونحن نعرف ما كان عليه قبل وصوله إلى ما وصل إليه، بل وآل أمره عن قريب إلى ما آل أن ينسب إلى كونه أفضل من أولئك الملوك الأقيال، فنعوذ بالله من الضلال» (¬2).
وبقدر ما امتدح «ابن تغري بردي» السلطان تمربغا، ذمّ السلطان الظاهر يلباي، والإثنان لم يلبثا في السلطنة إلا وقتا قصيرا، فردّ عليه المؤلّف بكلام عنيف، وفيه: «ولما ذكر الجمال بن تغري بردي هذا الأمر وهذه القضية بسبب العجز والتقصير للظاهر يلباي هذا فقال: وما ذاك إلا لعدم تقدّمه وسوء سيرته وعجزه عن تدبير الأمور وبتّ القضايا وتنفيذ الأحكام وأحوال الدولة، وقلّة عقله بأنه كان في القديم لا يعرف إلا بيلباي تلي أي مجنون، فهذه شهرته قديما وحديثا في أيام شبيبته، فما بالك به وقد شاخ وكبر سنّه، وذهل عقله، وقلّ سمعه ونظره. هذا ما قاله، وهو كلام في غاية التخابل والاعتساف وقلّة الأدب والإنصاف، بل في غاية السفالة والغسالة، وعدم معرفة الأحوال والحدس الثاقب، على أنّ قائله كان يدّعي معرفة أحوال الترك على ما هم عليه على ما ينبغي، فليت شعري، كيف لم يكن تمربغا مساو (كذا) لهذا في ذلك، حتى لما ترجمه جعله أفضل من بني أيوب. . . وما لقّب [يلباي] بالمجنون إلا لشجاعته وإقدامه وقوله الحق وعدم مداهنته، وإلا فلو كان مجنونا بالمعنى الذي قاله هذا المؤرّخ لما جازت بيعته
¬_________
(¬1) ما بين القوسين كتب على هامش المخطوط.
(¬2) الروض الباسم 3 / ورقة 60 أ.

الصفحة 63