كتاب نيل الأمل في ذيل الدول (اسم الجزء: 4)

وكان فاضلا يترسّل وينظم، وكتب في الإنشاء مدّة.
ومولده سنة سبع أو تسع وستين وسبعماية.

[الدعوة للصيام بالقاهرة]
وفيه نودي بالقاهرة من قبل المحتسب بأن يصوم الناس ثلاثة أيام آخرها يوم الخميس خامس عشره ليخرجوا مع السلطان للدعاء في كشف الوباء، ورفع هذا الخطب، فصاموا، وبطّل كثير من الباعة مع الأقوات في أول النهار كما يفعل ذلك في رمضان. ثم خرج السلطان إلى الصحراء وقد ركب فرسا بقماش ساذج لا ذهب ولا فضّة عليه، وعلى رأسه عمامة صغيرة جدّا، وعلى كتفه ميزر أبيض من الصوف وهو لابس صوفا وله عذبة في عمامته مرخاة صغيرة من كتفه الأيسر، ولحية كهيئة الصوفية، وخرج قضاة القضاة والعلماء / 504 / والمشايخ وأهل الخوانق وصوفيّتها وعامّة الناس، وقد حملت الأعلام والمصاحف، وساروا حتى وصلوا إلى الصحراء قرب تربة الظاهر برقوق، وقد بات بها الوزير وأستادار الصحبة، وهيّأوا بها أسمطة هايلة وأغناما وأبقارا للعربان. ونزل السلطان عن فرسه ووقف ماشيا والخليفة معه وعن يمينها وشمالها القضاة والناس وهم طوايف لا يحصون عددا، فبسط السلطان يده يدعوا (¬1) الله وهو يبكي وينتحب زمانا طويلا، ثم ركب والناس يمشون معه إلى تربة الظاهر، فمدّت الأسمطة وأكلت، ثم قام فذبح بيده ماية وخمسين كبشا سمينا قربانا لله تعالى، ثم عشر بقرات سمان وجاموستين وجملين، وهو يبكي، وترك القرابين تمشي بمضاجعها كما هي، وركب إلى القلعة، وتولّى الوزير وأستادار الصحبة تفرقتها على الجوامع المشهورة والخوانق والمشاهد والزوايا، وفرّق منها بعضا لحما على الفقراء، وحمّل منها، ومن الخبز إلى السجون. وكان الخبز الذي فرّق نحوا من ثلاثين ألف رغيفا (¬2) من نقيّ الخبز الجيّد، ودام الناس يدعون إلى أن اشتدّ حرّ النهار فانصرفوا. وكان يوما مشهودا ما عهد مثله، لكن كان هذا الفعل خلاف ما عليه السلف فإنه لم يرد عنهم الدعاء إلاّ أن يستشهدوا في مثل هذه الأيام، ويسألوا الله تعالى في أن يقسم لهم حظا من الموت فيه لأنه رحمة على هذه الأمّة، وكان في هذا الزمن فعل عكس ما كان (¬3).
¬_________
= الجمان 366 رقم 104، ووجيز الكلام 2/ 458 رقم 1042، والضوء اللامع 6/ 712 رقم 81، والنجوم الزاهرة 14/ 157، 158، والدليل الشافي 2/ 522 رقم 1898، ونزهة النفوس 2/ 459 رقم 584، وبدائع الزهور 2/ 46، 47، وشذرات الذهب 7/ 156.
(¬1) الصواب: «يدعو».
(¬2) الصواب: «رغيف».
(¬3) خبر الصيام في: السلوك ج 4 ق 1/ 487 - 489، وإنباء الغمر 3/ 198، وعقد الجمان 362، 363، والنجوم الزاهرة 14/ 78، 79، ونزهة النفوس 2/ 455، 456، وبدائع الزهور 2/ 46.

الصفحة 37