كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

موسى: {سَحَرُوا أَعيُنَ النَّاسِ وَاستَرْهَبُوهُم وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم} 1. وهذا يقتضي أنّ أعين الناس قد حصل فيها تغيُّر. ولهذا قال تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِن السَّمَاءِ فَظَلُّوا فيهِ يَعرجُون لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَت أَبْصَارُنَا بَل نَحْنُ قَومٌ مَسْحُورُون} 2، فقد علموا أن السحر يغير الإحساس، كما يوجب المرض والقتل. وهذا كلّه من جنس مقدور الإنس؛ فإن الإنسان يقدر [أن] 3 يفعل [في] 4 غيره ما يفسد إدراكه، وما يمرضه ويقتله. فهذا مع كونه ظلماً وشراً، هو من جنس مقدور البشر.
الجني يُري قرينه نظير الشيء ليس عينه
والجني إذا أراد أن يري قرينه أموراً غائبة سئل عنها، مثَّلها له. فإذا سئل عن المسروق، أراه شكل ذلك المال. وإذا سئل عن شخص، أراه صورته. ونحو ذلك5. وقد يظنّ الرائي أنه رأى عينه، وإنّما رأى نظيره.
تمثّل الجني بصورة الإنسي
وقد يتمثّل الجني في صورة الإنسي، حتى يظن الظان أنه الإنسي. وهذا كثيرٌ؛ كما تصوّر لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم6،
__________
1 سورة الأعراف، الآية 115.
2 سورة الحجر، الآيتان 14-15.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .
4 ما بين المعقوفتين ساقط من ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .
5 انظر: الجواب الصحيح 2322-323. ومجموع الفتاوى 1383-85.
6 هو سراقة بن مالك بن جعشم بن مدلج الكناني المدلجي، أبو سفيان. قال ابن حجر: روى البخاري قصته في إدراكه النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى ساخت رجلا فرسه، ثم إنه طلب منه الخلاص وأن لا يدلّ عليه، ففعل، وكتب له أماناً. وأسلم يوم الفتح. وفي قصته مع النبي صلى الله عليه وسلم يقول مخاطباً أبا جهل:
أبا حكم والله لو كنت شاهداً
لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمداً
رسول وبرهان فمن ذا يقاومه
عليك فكفّ القوم عنه فإنني
أخال لنا يوماً ستبدو معالمه
بأمر تود النصر فيه فإنهم
وإن جميع الناس طراً مسالمه
وكان في الجاهلية قائفاً، وهو الذي اقتص الأثر لقريش حتى صعدوا الجبل الذي كان فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وجعلوا يمرون على باب الغار ولا يرونهما، حفظاً من الله لهما. ووقتها قال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنّ أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا". انظر: صحيح البخاري 31420-1421، كتاب فضائل الصحابة، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
لسراقة 19 حديثاً، ومات سنة 24 هـ.
انظر: الإصابة 218-19. والاستيعاب - بهامش الإصابة - 2118. ودلائل النبوة للبيهقي 2215. والبداية والنهاية 3182-186. والأعلام 380.

الصفحة 1053