كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

لم يقل أحد من الصحابة إنه رأى الخضر
ولهذا لم يجترىء الشيطان على أن يقول لأحد من الصحابة: إنّه الخضر، ولا قال أحد من الصحابة: إني رأيت الخضر1. وإنما وقع هذا بعد الصحابة.
__________
1 قال شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر موضحاً هذه الحقيقة: "ولا كان فيهم من قال: إنه أتاه الخضر؛ فإن خضر موسى مات، كما بين هذا في غير هذا الموضع. والخضر الذي يأتي كثيراً من الناس إنما هو جني تصور بصورة إنسي، أو إنسي كذّاب. ولا يجوز أن يكون مَلَكَاً مع قوله أنا الخضر، فإن الملك لا يكذب، وإنما يكذب الجن والإنس. وأنا أعرف ممن أتاه الخضر، وكان جنياً، ما يطول ذكره في هذا الموضع. وكان الصحابة أعلم من أن يروج عليهم هذا التلبيس. وكذلك لم يكن فيهم من حملته الجن إلى مكة، وذهبت به إلى عرفات ليقف بها، كما فعلت ذلك بكثير من الجهال والعباد وغيرهم، ولا كان فيهم من تسرق الجن أموال الناس وطعامهم وتأتيه به، فيظن أن هذا من باب الكرامات". مجموع الفتاوى 1249.
وقال رحمه الله في موضع آخر: "لم يُنقل عن أحد من الصحابة أنه رأى الخضر، ولا اجتمع به، لأنهم كانوا أكمل علماً وإيماناً من غيرهم، فلم يكن يمكن الشيطان التلبيس عليهم كما لبس على كثير من العباد. ولهذا كثير من الكفار اليهود والنصارى يأتيهم من يظنون أنه الخضر، ويحضر في كنائسهم، وربما حدثهم بأشياء، وإنما هو شيطان جاء إليهم، فيُضلّهم. ولو كان الخضر حياً لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤمن به، ويُجاهد معه، كما أخذ الله الميثاق على الأنبياء وأتباعهم بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} ، [سورة آل عمران، الآية 81] ، والخضر قد أصلح السفينة لقوم من عرض الناس، فكيف لا يكون بين محمد وأصحابه. وهو إن كان نبياً، فنبينا أفضل منه، وإن لم يكن نبياً، فأبو بكر وعمر أفضل منه". الرد على المنطقيين ص 185.

الصفحة 1057