كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

يبلِّغونهم صوتي1. فعلم أن صوته إنما يبلغ بما ييسره الله من تبليغ بعض
__________
1 قال العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس 2514-515، أثر رقم 3172: "يا سارية الجبل": قاله عمر بن الخطاب وهو يخطب يوم الجمعة، حيث وقع في خاطره أن الجيش الذي أرسله مع سارية إلى نهاوند بفارس لاقى العدو وهم في بطن واد، وقد همّوا بالهزيمة، وبالقرب منهم جبل، فقال ذلك في أثناء خطبته، ورفع به صوته، فألقاه الله في سمع سارية، فانحاز بالناس إلى الجبل، وقاتل العدو من جانب واحد، ففتح الله عليهم. كذا رواه الواقدي عن أسامة بن زيد، عن ابن أسلم، عن عمر.
وأخرجه سيف مطولاً عن رجل من بني مازن. والبيهقي في الدلائل، واللالكائي في شرح السنة، وابن الأعرابي في كرامات الأولياء، عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشاً، وولى عليهم رجلاً يدعى سارية، فبينما عمر يخطب، جعل ينادي: يا سارية الجبل - ثلاثاً. ثم قدم رسول من الجيش، وسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك، إذ سمعنا صوتاً يُنادي: يا سارية الجبل - ثلاثاً -، فاسندنا ظهرنا إلى الجبل، فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح هكذا وهكذا. رواه حرملة في جمعه لحديث ابن وهب، وإسناده كما قال الحافظ ابن حجر حسن.
ولابن مردويه، عن ابن عمر، عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة، فعرض في خطبته أن قال: يا سارية الجبل، من استرعى الذئب ظلم. فالتفت الناس بعضهم لبعض، فقال لهم عليّ: ليخرجن مما قال. فلما فرغ سألوه، فقال: وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من جانب واحد، وإن جاوزوه هلكوا. فخرج مني ما تزعمون أنكم سمعتموه. فجاء البشير بعد شهر، وذكر أنهم سمعوا صوت عمر في ذلك اليوم، قال: فعدلنا عن الجبل، ففتح الله علينا.
قال في اللآلئ: وقد أفرد الحافظ القطب الحلبي لطرقه جزءاً، ووثق رجال هذا الطريق. وقال: ذكره ابن عساكر، وابن ماكولا، وغيرهم. وسارية له صحبة". كشف الخفاء ومزيل الإلباس 2514-515.
وأخرجها أبو نعيم في دلائل النبوة ص 210. واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 9127. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 7131-132، وحسن إسناده. وانظر مشكاة المصابيح 31678، وقال الشيخ الألباني: رواه ابن عساكر وغيره بإسناد حسن.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه القصة في موضع آخر: "وعمر رضي الله عنه لما نادى: يا سارية الجبل، قال: إن لله جنوداً يبلغون صوتي. وجنود الله هم من الملائكة، ومن صالحي الجن. فجنود الله بلغوا صوت عمر إلى سارية؛ وهو أنهم نادوه بمثل صوت عمر، وإلا نفس صوت عمر لا يصل نفسه في هذه المسافة البعيدة. وهذا كالرجل يدعو آخر وهو بعيد عنه، فيقول: يا فلان. فيُعان على ذلك، فيقول الواسطة بينهما: يا فلان. وقد يقول لمن هو بعيد عنه: يا فلان احبس الماء، تعال إلينا، وهو لا يسمع صوته، فيناديه الواسطة بمثل ذلك: يا فلان احبس الماء، أرسل الماء؛ إما بمثل صوت الأول إن كان لا يقبل إلا صوته، وإلا فلا يضرّ بأي صوت كان إذا عرف أن صاحبه قد ناداه. وهذه حكاية: كان عمر مرة قد أرسل جيشاً، فجاء شخص وأخبر أهل المدينة بانتصار الجيش، وشاع الخبر، فقال عمر: من أين لكم هذا؟ قالوا: شخص صفته كيت وكيت، فأخبرنا. فقال عمر: ذاك أبو الهيثم بريد الجن، وسيجيء بريد الإنسان بعد ذلك بأيام". مجموع الفتاوى 1388-89.

الصفحة 1060