كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

العباد؛ فإنّ مقدوراته على قسمين: منها ما يفعله بواسطة قدرة العباد؛ كأفعال العباد، وما يصنعونه؛ ومنها ما يفعله بدون ذلك؛ كإنزال المطر1.
فإن أراد هذا القائل: أنّها خارجة عن مقدور الإنس؛ بمعنى: أنه لا يقع منهم؛ لا بإعانة الجن، ولا بغير ذلك. فهذا كلامٌ صحيح.
و [إن أراد أنّه] 2 خارجٌ عن مقدورهم فقط، وإن كان مقدوراً للجنّ: فهذا ليس بصحيح؛ فإنّ الرسل أرسلوا إلى الإنس والجن. والسحر والكهانة وغير ذلك تقدر الجن على إيصالها إلى الإنس، وهي مناقضة لآيات الأنبياء؛ كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} 3.
وإن أراد أنها خارجة عن مقدور الملائكة والإنس والجن، أو أن الله يفعلها بلا سبب: فهذا أيضاً باطلٌ. فمن أين له أنّ الله يخلقها بلا سبب؟ ومن أين له أنه لا يخلقها بواسطة الملائكة الذين هم رسله في عامّة ما يخلقه؟ فمن أين له أنّ جبريل لم ينفخ في مريم حتى حملت بالمسيح؟ وقد أخبر الله بذلك.
وهو وأمّه ممّا جعلهما آيةً للعالمين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابنَ مريَمَ وأُمَّه آيةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرارٍ ومَعِين} 4.
وخلقُ المسيح بلا أب من أعظم الآيات، وكان بواسطة نفخ جبريل،
__________
1 انظر: منهاج السنة النبوية 3126، 168، 180. ودرء تعارض العقل والنقل 8471-476.
2 في ((ط)) : وأن إرادته.
3 سورة الشعراء، الآيتان 221-222.
4 سورة المؤمنون، الآية 50.

الصفحة 1065