كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

كانت مقدورة ومفعولة للعبد، وإن كان ذلك بإقدار الله تعالى، ولا نفس القدرة على ذلك الفعل؛ فإن المقصود من القدرة هو الفعل.
آيات الأنبياء لا يتوصل إليها بسبب
بل الآيات خارجة عن مقدور جميع العباد؛ الملائكة، والجنّ، والإنس، وهي أيضاً لا تُنال بالاكتساب؛ فإن الإنس والجنّ قد يقدرون بأسباب مباينة لهم على أمور، كما يقدرون على قتل من يقتلونه وإمراضه، ونحو ذلك.
وآيات الأنبياء لا يقدر أحدٌ أن يتوصّل إليها بسبب.
والسحر والكهانة ممّا يمكن التوصّل إليه بسبب؛ كالذي يأتي بأقوال وأفعال تُحدّثه بها الجنّ1.
فالنبوّة لا تُنال بكسب العبيد، ولا آياتها تحصل بكسب العباد2، وهذا
__________
1 انظر: مجموع الفتاوى 1189.
2 فالنبوة فضل إلهي، ومنة ربانية، يختص الله بها من يشاء من عباده؛ فيخصّه بالوحي ليبلغ عباده. فلا تُدرك باختيار العبد وكسبه وإرادته، وإنّما هي اصطفاء من الله، ومنّة منه جل وعلا.
قال تعالى: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} . سورة البقرة، الآية 105.
وقال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} . سورة الأنعام، الآية 154.
وقال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} . سورة الحج، الآية 75.
أما الفلاسفة، وصوفيتهم: فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عنهم أنّهم يقولون بأن النبوة مكتسبة. وبيّن رحمه الله أنها لا تنال باكتساب الإنسان، فقال: "إنّ النبوة لا تنال باكتساب الإنسان واستعداده كما تنال بذلك العلوم المكتسبة والدين المكتسب؛ فإنّ هؤلاء القوم ما قدروا الله حق قدره، ولا قدروا الأنبياء قدرهم، لمّا ظنوا أن الإنسان إذا كان فيه استعداد لكمال تزكية نفسه وإصلاحها، فاض عليه بسبب ذلك المعارف من العقل الفعال كما يفيض الشعاع على المرآة المصقولة إذا جليت وحوذي بها الشمس، وأن حصول النبوة ليس هو أمراً يُحدثه الله بمشيئته وقدرته، وإنما حصول هذا الفيض على هذا المستعد، كحصول الشعاع على هذا الجسم الصقيل، صار كثيرٌ منهم يطلب النبوة؛ كما يُحكى عن طائفة من قدماء اليونان، وكما يعرض ذلك لطائفة من الناس في أيام الإسلام..". كتاب الصفدية 1229. وانظر: المصدر نفسه 1230-234. ودرء تعارض العقل والنقل 5353-356. ومنهاج السنة النبوية 2415-416، 434-435. وبغية المرتاد ص 384. وشرح حديث النزول ص 421. والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 204. وانظر ما سبق في هذا الكتاب ص 609-612، 732-735، 834-841، 855-857.
وانظر عن طلب صوفية الفلاسفة، أو ملاحدة الصوفية للنبوة في: درء تعارض العقل والنقل10204-205. والرد على المنطقيين ص 483. وكتاب الصفدية 1250-251، 284-285. والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 196-199، 236-237.
فالنبوة فضل من الله، ومنّة يمنّ بها على عباده، واصطفاء منه جلّ وعلا، قال العلامة السفاريني رحمه الله:
ولا تنال رتبة النبوة بالكسب والتهذيب والفتوة
لكنها فضل من المولى الأجلّ لمن يشاء من خلقه إلى الأجل
انظر: لوامع الأنوار 2267.

الصفحة 1073