كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

فالذي تَنَزَّل عليه الشياطين إذا ظن واعتقد أنهم جاؤوا من عند الله، وأخبر بذلك، كان كاذباً. وكذلك إذا قال عما أوحوه إليه: إن الله أوحاه إليه، كان كاذباً؛ قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} 1.
ولمّا شاع خبر المختار بن أبي عبيد2، وهو أول من ظهر في الإسلام بالكذب في هذا، وثبت في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يكون في ثقيف كذّاب ومبير" 3، فكان الكذّاب هو المختار بن أبي عبيد، وكان
__________
1 سورة الأنعام، الآية 121.
2 هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، أبو إسحاق. كان أبوه قد أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تعلم له صحبة. استعمله عمر بن الخطاب على جيش، فغزا العراق، وإليه تنسب وقعة جسر أبي عبيد. ولد المختار عام الهجرة. وقد سار من الطائف بعد مصرع الحسين إلى مكة فأتى ابن الزبير، وكان قد طرد لشره إلى الطائف، فأظهر المناصحة. فلما مات يزيد استأذن ابنَ الزبير في الرواح إلى العراق، فأذن له. وصار إلى العراق، ودعا فيها إلى إمامة محمد بن الحنفية، حتى علا قدره، ثم طالب بدم الحسين وتتبع قتلته، وقتل ابنَ زياد، وشاع في الناس أخبار عنه بأنه ادعى النبوة، ونزول الوحي عليه، ومكث كذلك ستة عشر شهراً، ثم قاتله مصعب بن الزبير أمير البصرة من قبل أخيه عبد الله، فقتله في الكوفة سنة 67 ?.
انظر: سير أعلام النبلاء 3538. والإصابة 6349. وشذرات الذهب 174، 75. والبداية والنهاية 8292-295. والأعلام 7192.
3 أورد الإمام مسلم رحمه الله هذا الحديث من طريق أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالته تُخاطب الحجاج بن يوسف لما قتل ولدها عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قالت له: " ... أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومبيراً، فأما الكذّاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه.. ".
أخرجه مسلم في صحيحه 41971-1972، كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها.
وقد رواه أيضاً عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخرجه الترمذي في جامعه 4499-500، 5729-730، كتاب الفتن، باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير.
وانظر مسند الإمام أحمد 6351-352. والبداية والنهاية 8352.
قال النووي: " المبير: المهلك. وقولها في الكذاب: فرأيناه: تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب، ومن أقبحه ادّعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه. واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف. والله أعلم". شرح النووي على صحيح مسلم 16100.

الصفحة 1079