كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 1)

غيرهم. بل غيرهم إذا أخبر بنبوتهم، وأظهر الله على يديه ما يدلّ على صدق هذا الخبر، كان أبلغ في الدلالة على صدقهم من أن يظهر على أيديهم.
ليس من شرط دلائل النبوة اقترانها بدعوى النبوة أو التحدي بها
فقد تبيّن أنّه ليس من شرط دلائل النبوة؛ [لا اقترانه] 1 بدعوى النبوة، ولا الاحتجاج به، ولا التحدي بالمثل2، ولا تقريع من يخالفه. بل كلّ هذه الأمور قد تقع في بعض الآيات، لكن لا يجب أنّ ما لا يقع معه لا يكون آية، بل هذا إبطالٌ لأكثر آيات الأنبياء؛ [لخلوها] 3 عن هذا الشرط4.
__________
1 في ((م)) ، و ((ط)) : لاقترانه.
2 كما يقوله أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة.
انظر: المغني لعبد الجبار الهمداني 15199، 215. وشرح الأصول الخمسة له ص 569-571. والبيان للباقلاني ص 45-46. والمواقف للإيجي ص 339-340.
3 في ((خ)) : خلوها. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
4 المتكلّمون جعلوا التحدّي شرطاً من شروط المعجزة.
وقد ردّ عليهم شيخ الإسلام رحمه الله اشتراطهم لهذا الشرط؛ فقال: "وآيات النبوة وبراهينها تكون في حياة الرسول، وقبل مولده، وبعد مماته، لا تختصّ بحياته، فضلاً عن أن تختصّ بحال دعوى النبوة، أو حال التحدّي؛ كما ظنّه بعض أهل الكلام". انظر: الجواب الصحيح 6380، 408، 496.
وقد ردّ ابن حزم أيضاً على من اشترط هذا الشرط؛ فقال: "ومن ادّعى أنّ إحالة الطبيعة لا تكون آية إلا حتى يتحدى فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم النّاس، فقد كذب، وادّعى ما لا دليل عليه أصلاً؛ لا من عقل، ولا من نص قرآن ولا سنّة. وما كان هكذا، فهو باطلٌ، ويجب من هذا أنّ حنين الجذع، وإطعام النفر الكثير من الطعام اليسير حتى شبعوا، وهم مئون من صاع شعير، ونبعان الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإرواء ألف وأربعمائة من قدح صغير تضيق سعته عن الشبر، ليس شيء من ذلك آية له عليه السلام؛ لأنّه عليه السلام لم يتحدّ بشيء من ذلك أحداً". المحلى لابن حزم 136. وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل له 52، 6.

الصفحة 604