كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

وهكذا يقول من يقول من مبتدعة أهل الزهد، والتصوف1؛ إذا دخلوا في عبادات منهي عنها، ومذمومة في الشرع، قالوا: كان الصحابة مشغولين عنها بالجهاد، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يخاف أن يشتغلوا بها عن الجهاد.
وأهل السيف قد يظنّ من يظنّ منهم أنّ لهم من الجهاد، وقتال الأعداء ما لم يكن مثله للصحابة، وأنّ الصحابة كانوا مشغولين بالعلم والعبادة عن مثل جهادهم.
ومن أهل الكلام من يقول: بل الصحابة كانوا على عقائدهم، وأصولهم، لكن لم يتكلموا بذلك؛ لعدم حاجتهم إليه2.
فهؤلاء جمعوا بين أمرين؛ بين أن ابتدعوا أقوالاً باطلةً ظنّوا أنّها هي أصول الدين، لا يكون عالما بالدين إلا من وافقهم عليها، وأنّهم علموا، وبيّنوا من الحق ما لم يُبيّنه الرسول والصحابة.
وإذا تدبر الخبير حقيقة ما هم عليه، تبيّن له أنّه ليس عند القوم فيما ابتدعوه؛ لا علم، ولا دين، ولا شرع، ولا عقل.
__________
1 انظر: التسعينية لشيخ الإسلام ص 257.
2 انظر: قواعد العقائد للغزالي ص 97. وإحياء علوم الدين 1113-114.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله في الردّ عليهم، وبيان أنّ السلف أعلم في المنقول والمعقول: "ومن تدبّر كلام أئمة أهل السنة المشاهير في هذا الباب، علم أنهم كانوا أدقّ الناس نظراً، وأعلم الناس في هذا الباب بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنّ أقوالهم هي الموافقة للمنصوص والمعقول، ولهذا تأتلف، ولا تختلف، وتتوافق، ولا تتناقض. والذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، فلم يعرفوا حقيقة المنصوص والمعقول؛ فتشعّبت بهم الطرق، وصاروا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب ... ". درء تعارض العقل والنقل 2301-302. وانظر: مجموع الفتاوى 1329

الصفحة 635