كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

وآخرون1 لما رأوا ابتداع هؤلاء، وأنّ الصحابة والتابعين لم يكونوا يقولون مثل قولهم، ظنّوا أنّهم كانوا كالعامة الذين لا يعرفون الأدلة والحجج، وأنهم كانوا لا يفهمون ما في القرآن مما تشابه على من تشابه عليه، وتوهّموا أنه إذا كان الوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} 2؛ كان المراد أنّه لا يفهم معناه إلا الله؛ لا الرسول، ولا الصحابة؛ فصاروا ينسبون الصحابة، بل والرسول إلى عدم العلم بالسمع والعقل، وجعلوهم مثل أنفسهم لا يسمعون ولا يعقلون، وظنّوا أنّ هذه طريقة السلف؛ وهي الجهل البسيط3 التي لا يعقل صاحبها ولا يسمع، وهذا وصف أهل النار، لا وصف أفضل الخلق بعد الأنبياء.
__________
1 انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هؤلاء؛ فقد توسع في ذكر أقوالهم، وما يلزم عليها، في: درء تعارض العقل والنقل 116-20، 5380-381، 851-53. وكتاب الصفدية 1260، 276، 287-288.
2 سورة آل عمران، الآية 7.
وانظر أقوال العلماء في الوقف في هذه الآية في: تفسير الطبري 5182-186. وتفسير ابن كثير 1346-347. وأضواء البيان 1331-336. وانظر لشيخ الإسلام: درء تعارض العقل والنقل 5380-381، 7327. والعقيدة التدمرية ص 90.
3 هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يكون علماً. انظر: التعريفات للجرجاني ص 108.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله عن أهل الجهل البسيط والجهل المركب: "فأهل الجهل البسيط منهم أهل الشك والحيرة من هؤلاء المعارضين للكتاب، المعرضين عنه، وأهل الجهل المركب أرباب الاعتقادات الباطلة التي يزعمون أنها عقليات. وآخرون ممن يعارضهم يقول: المناقض لتلك الأقوال هو العقليات". درء تعارض العقل والنقل 1170. وانظر: المصدر نفسه 117.

الصفحة 636