أقوالاً تدلّ على الباطل، وطلب منهم أن يتعلموا الهدى بعقولهم ونظرهم، ثم ينظروا فيما جاء به؛ فإمّا أن يتأولوه ويحرفوا الكلم عن مواضعه، وإما أن [يفوّضوه] 1.
ردود شيخ الإسلام على المتكلمين ومنها: نقض التأسيس
فذكرنا هذا ونحوه مما يبين أنّ الهدى مأخوذ عن الرسول، وأنه قد بين للأمة ما يجب اعتقاده من أصول الدين في الصفات، وغيرها. فكان الجواب خطاباً مع من يقرّ بنبوّته، ويشهد له بأنّه رسول الله. فلم يُذكَر فيه دلائل النبوة، وذُكِرَ أن الشبهات العقلية التي تعارض خبر الرسول باطلة، وذُكِرَ في ذلك ما هو موجود في هذا الجواب.
سبب تأليف درء تعارض العقل والنقل
ثم بعد ذلك حدثت أمور أوجبت أن يُبسط الكلام في هذا الباب، و [يُتكلّم] 2 على حجج النفاة، ويُبيَّن بطلانها، و [يُتكلم] 3 على ما أثبتوه؛ من أنه يجب تقديم ما يزعمون أنّه معقول على ما عُلِم بخبر الرسول.
وبُسِطَ في ذلك من الكلام والقواعد ما ليس [هذا] 4 موضعه5،
__________
1 في ((م)) ، و ((ط)) : يعوّضوه.
وهذا المعنى هو قانون الرازي الذي ردّ عليه شيخ الإسلام رحمه الله.
2 في ((خ)) : نتكلم.
3 في ((خ)) : نتكلم.
4 في ((ط)) : هذه.
5 شيخ الإسلام رحمه الله يقصد كتابه الكبير: ((درء تعارض العقل والنقل)) ، وهو كتابٌ يردّ فيه شيخ الإسلام رحمه الله على القانون الكلّي الذي سنّه الرازي لأتباعه؛ زاعماً فيه أنه إذا تعارض العقل والنقل، قُدِّم العقل. وأما النقل فإما أن يُتأول، وإما أن يُفوّض.
انظر: درء تعارض العقل والنقل 14 في المقدمة) . وانظر قانون الرازي في كتبه الآتية: أساس التقديس في علم الكلام ص 172-173. والمطالب العالية 1337. ولباب الأربعين ص 36. ونهاية العقول في دراية الأصول ق 13.
والشرع عند الرازي وأتباعه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لا يعتمد عليه فيما وصف الله به نفسه وما لا يوصف، وإنما يُعتمد في ذلك على عقلهم، ثم ما لم يُثبته إما أن ينفوه، وإما أن يقفوا فيه". درء تعارض العقل والنقل 213.
وشيخ الإسلام رحمه الله ردّ على هؤلاء من أربعة وأربعين وجهاً في كتابه درء تعارض العقل والنقل، وهو الذي أُفرد لهدم هذا القانون الباطل من أساسه.
وقد قال أحد الباحثين وهو الدكتور عبد الرحمن المحمود عن هذا الكتاب، وسبب تأليفه: "وهذا الكتاب من أعظم كتب ابن تيمية، وقد ألفه في الرد على الأشاعرة الذين يقولون بوجوب تقديم العقل على النقل إذا تعارضا، وجعلوا ذلك قانوناً كليّاً لهم. ومن الذين قالوا بهذا القانون: الرازي وأتباعه، والجويني، والقاضي أبو بكر بن العربي، وغيرهم.
وقد ألف ابن تيمية هذا الكتاب بعد تأليفه لنقض أساس التقديس، وقد رجح المحقق رحمه الله أنه ألفه بعد وصوله إلى الشام من مصر؛ أي بين عامي 712- 718 ?. ويقول ابن تيمية مشيراً إلى ذلك: (وهذه الطريقة هي ثابتة في الأدلة الشرعية والعقلية؛ فإنّا قد بيّنا في الرد على أصول الجهمية النفاة للصفات في الكلام على تأسيس التقديس، وغيره". فهذا النص أخّر تأليف هذا الكتاب عن كتابه الآخر الذي ألفه في مصر ((نقض أساس التقديس)) ، ونلمح هنا التدرج التأليفي في نقض أصول الأشاعرة؛ فهو في البداية ردّ على أدلتهم مباشرة، وأجاب عن الاعتراضات الواردة عليها، ثم رأى أنّ هؤلاء إنما يعتمدون في شبههم واعتراضاتهم على ما كتبه شيخهم ومقدمهم الرازي، فرأى أن من تمام الكلام في نقض كلامهم نقض كلام شيوخهم كالرازي؛ فألف نقض أساس التقديس، ثم بعد ذلك رأى أن الرازي وأمثاله ليسوا مستقلين بذلك استقلالاً كاملاً، وإنما مادة كلامهم من كلام الفلاسفة، فأراد أن يُكمّل الردّ بنقض أصولهم الفلسفية؛ فجاء هذا الكتاب ((درء تعارض العقل والنقل)) الذي لم يكن مقتصراً على جواب هذه المسألة فقط: تقديم العقل على النقل. وإنما حوى مباحث طويلة مع الفلاسفة شيوخ الرازي، وغيرهم، ونقل أقوالهم، وبيّن من وجوه عديدة أنواعاً من تناقضهم، وردّ بعضهم على بعض.
والكتاب والحمد لله وصل إلينا كاملاً، ونشر نشراً علمياً ممتازاً، فجزى الله محققه خيراً، وغفر له ورحمه) . موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1206-207.
وشيخ الإسلام رحمه الله قد أشار إلى كتابه العظيم، وسماه: درء تعارض العقل والنقل في: الرد على المنطقيين ص 253-254.