كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

وهو سبحانه إذا ذكر الأنبياء؛ نبينا وغيره، ذكر أنّه أرسلهم بالآيات البينات1؛ وهي الأدلّة، والبراهين البيّنة، المعلومة علماً يقينياً؛ إذ كان كل دليل لا بد أن ينتهي إلى مقدمات بيّنة بنفسها، قد تسمى بديهيّات2، وقد تسمّى ضروريات3، وقد تسمى أوليات4، وقد يقال: هي معلومة
__________
1 قال تعالى عن رسله عليهم السلام: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ... } الآية. [سورة الحديد، الآية 25] ، وقال تعالى عن عيسى عليه السلام: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..} الآية. [سورة البقرة، الآية 87] ، وقال تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} . [سورة البقرة، الآية 99] ، وقال تعالى عن يوسف عليه السلام: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ..} الآية. [سورة غافر، الآية 34] .
2 البديهيّ: هو الذي لا يتوقف حصوله على نظر وكسب، سواء احتاج إلى شيء آخر؛ من حدس، أو تجربة، أو غير ذلك، أو لم يحتج؛ فيرادف الضروري. وقد يُراد به ما لا يحتاج بعد توجه العقل إلى شيء أصلاً؛ فيكون أخص من الضروريّ؛ كتصور الحرارة والبرودة، وكالتصديق بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان.
التعريفات للجرجاني ص 63.
3 ذكر الجرجاني في تعريفاته أنّ الضرورية المطلقة: هي التي يحكم فيها بضرورة ثبوت المحمول للموضوع، أو بضرورة سلبه عنه، ما دام ذات الموضوع موجودة. أما التي حكم فيها بضرورة الثبوت، فضرورية موجبة؛ كقولنا: كلّ إنسان حيوان بالضرورة؛ فإن الحكم فيها بضرورة ثبوت الحيوان للإنسان في جميع أوقات وجوده. وأما التي حكم فيها بضرورة السلب، فضرورية سالبة؛ كقولنا: لا شيء من الإنسان بحجر بالضرورة؛ فالحكم فيها بضرورة سلب الحجر عن الإنسان في جميع أوقات وجوده. انظر التعريفات للجرجاني ص 180.
4 الأوّليّ: هو الذي بعد توجه العقل إليه لم يفتقر إلى شيء أصلاً من حدس، أو تجربة، أو نحو ذلك؛ كقولنا: الواحد نصف الاثنين، والكل أعظم من جزئه؛ فإن هذين الحكمين لا يتوقفان إلا على تصور الطرفين. وهو أخص من الضروريّ مطلقاً. التعريفات للجرجاني ص 58.

الصفحة 651