كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

الله، وقولهم: (إنّها سحرٌ) ؛ كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} 1، {وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} 2؛ لم يذكروها، ويتأملوا ما دلّت عليه من صدق موسى، وأنّه مرسل من الله.
فالتكذيب: ضدّ التصديق، والغفلة عنها: ضدّ النظر فيها. ولهذا قيل: النظر تجريد العقل عن الغفلات، وقيل: هو تحديق العقل نحو المرئي. والأول هو النظر الطلبي؛ وهو طلب ما يدلّه على الحق، والثاني هو النظر الاستدلالي؛ وهو النظر في الدليل الذي يوصله إلى الحق. وهذا الثاني هو الذي يوجب العلم3.
__________
1 سورة الأعراف، الآية 132.
2 سورة الأعراف، الآية 136.
3 الأصوليون قسّموا النظر، ووضعوا حدّاً لكلّ قسم، فأتوا بتعريفات متقاربة في المعنى.
من ذلك قول أبي الخطاب (في التمهيد 158) : (النظر على ضربين؛ نظر العين، ونظر القلب. فحدّ نظر القلب: هو التفكّر في حال المنظور فيه، وحدّ المنظور فيه: هو الأدلة والأمارات الموصلة إلى المطلوب) .
وكصنيع أبي الخطاب صنع أبو يعلى (في العدة 1183-184) ؛ حين قسّم النظر إلى نظر بالعين، ونظر بالقلب؛ فقال: "لنظر ضربان؛ ضرب هو النظر بالعين، فهذا حدّه الإدراك بالبصر. والثاني: النظر بالقلب، وهذا حدّه الفكر في حال المنظور فيه.
أما الآمديّ (في الإحكام في أصول الأحكام 111) ، فقد ذكر عدة معان للنظر، واختار المعنى الذي يُوافق المتكلمين؛ فقال: "أما النظر: فإنه قد يُطلق في اللغة بمعنى الانتظار، وبمعنى الرؤية بالعين، والرأفة، والرحمة، والمقابلة، والتفكر، والاعتبار. وهذا الاعتبار الأخير هو المسمّى بالنظر في عرف المتكلمين. وقد قال القاضي أبو بكر في حدّه: هو الفكر الذي يطلب به من قام به علماً، أو ظنّاً"

الصفحة 657