كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

ليست آية من الله، بل هي سحر من عندك. وهم [و] 1 إن كانوا قد يعلمون أنّ الله خالق كل شيء2، ففرقٌ بين ما يفعله البشر، ويتوصلون إليه بالاكتساب، وبين ما لا قدرة لهم على التوصل إليه بسبب من الأسباب، وفرقٌ بين ما قد علموا أنه يخلقه لغير تصديق الرسل؛ كالسحر؛ فإنّه لم يزل معروفا في بني آدم، فقد علموا أنّه لا يخلقه آية وعلامة لنبيّ؛ إذ كان موجودا لغير الأنبياء، معتاداً منهم، وإن كان عجيباً، خارجاً عن العادة عند من لم يعرفه، بل كان المكذبون يُطالبون الرسل بالآيات؛ كقول فرعون: فأت بآية إن كنت من الصادقين3، وقول قوم صالح له: {إِنَّما أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَر مِثْلنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقين} 4.
وكانت الأنبياء تأتي بالآيات، وهي آيات بينات؛ فيكذبون بها؛ كما يكذّب المعاند بالحق الظاهر المعلوم؛ كما قال فرعون: إنّه ساحر5. ولمّا
__________
1 ما بين المعقوفتين ليس في ((ط)) .
2 والآيات الدالّة على أنّ المشركين مقرون بربوبية الله عزّ وجلّ كثيرة، ولكن لم ينفعهم إقرارهم لإشراكهم مع الله غيره.
فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} . [سورة العنكبوت، الآية 61] . وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة الزخرف، الآية 87] . وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} . [سورة الزخرف، الآية 9] . وغير هذه من الآيات.
3 قال فرعون لموسى عليه السلام كما حكى الله عنه: {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . [سورة الأعراف، الآية 106] .
4 سورة الشعراء، الآيتان 153-154.
5 كما حكى الله تعالى عنه قوله للملأ من قومه: {قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} . [سورة الشعراء، الآيتان 34-35] .

الصفحة 663