وأمّا السحرة فإنّه أمر بقتلهم.
وفي التوراة: "سأُقيم لبني إسرائيل من إخوتهم نبيّاً مثلك، أجعل كلامي على فمه، كلكم يسمعون"1.
__________
1 وفي الطبعة الموجودة للكتاب المقدس عندهم: "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون ... قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا، أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه؛ فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به أخي أنا أطالبه ... ". الكتاب المقدس عندهم، سفر التثنية، الإصحاح الثامن عشر، رقم 16، 18-20، ص 308-309، طبعة دار الكتاب المقدس، جمعية الكتاب المقدس سابقاً، القاهرة، مصر.
وقد ذكره الماوردي رحمه الله ضمن بشارات الأنبياء بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلق عليه قائلاً: "ومعلوم أن أخا بني إسرائيل هم بنو إسماعيل، وليس منهم من ظهر كلام الله تعالى على فمه، غير محمد صلى الله عليه وسلم". أعلام النبوة للماوردي ص 198.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذا النص في كتابه الجواب الصحيح 5157، 188.
وللشيخ العلامة رحمت الله الكيرانوي الهندي رحمه الله تعالى في كتابه القيم (إظهار الحق) كلام جميل يعلق فيه على هذه البشارة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويُفنّد أقوال اليهود والنصارى فيما يدّعونه من وجوه كثيرة؛ فيقول: "وهذه البشارة ليست بشارة يوشع عليه السلام كما يزعم الآن أحبار اليهود، ولا بشارة عيسى عليه السلام كما زعم علماء بروتستنت، بل هي بشارة محمد صلى الله عليه وسلم لعشرة أوجه " ... ثم ذكر هذه الأوجه بالتفصيل، وأختصرها لتعميم الفائدة:
1- إن اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام كانوا ينتظرون نبياً آخر مبشراً به، وكان هذا المبشّر به عندهم غير المسيح، فلا يكون يوشع، ولا عيسى عليهما السلام.
2- جاء في هذه البشارة لفظ (مثلك) ، ويوشع وعيسى عليهما السلام لا يصح أن يكونا مثل موسى عليه السلام؛ لأمور، منها: أولاً: لكونهما من بني إسرائيل، فلا يجوز أن يقوم أحد من بني إسرائيل مثل موسى؛ لما جاء في سفر التثنية: (ولم يقم بعد ذلك من بني إسرائيل مثل موسى يعرفه الرب وجهاً لوجه) . ثانياً: لا مماثلة بين يوشع وبين موسى عليهما السلام؛ لأنّ موسى صاحب كتاب وشريعة جديدة مشتملة على أوامر ومناهي، ويوشع ليس كذلك، بل هو متبع لشريعة موسى. وكذلك لا توجد المماثلة التامة بين موسى وعيسى عليهما السلام.
3- جاء في هذه البشارة لفظ (من بين إخوتهم) ، والأسباط الإثني عشر كانوا موجودين مع موسى عليه السلام، حاضرين عنده، فلا يعمهم هذا الخطاب، فلو كان النبيّ المبشّر به منهم لقال: منهم، ولم يقل: من بين إخوتهم.
4- جاء في هذه البشارة لفظ (سوف أقيم) ، ويوشع عليه السلام كان حاضراً عند موسى عليه السلام، داخلاً في بني إسرائيل، فلا يدخل في هذا اللفظ.
5- قوله: (أجعل كلامي في فمه) : هو إشارة إلى أنّ ذلك النبيّ ينزل عليه الوحي والكتاب، وهو أُميّ يحفظ كلام الله.
6- قوله: "ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به فأنا أكون المنتقم من ذلك": لا يصدق على عيسى عليه السلام؛ لأنّ شريعته خالية عن أحكام الحدود، والقصاص، والتعزير، والجهاد.
7- جاء في كتاب الأعمال أعمال الرسل: "فتوبوا وارجعوا كي تمحى خطاياكم، حتى إذا تأتي أزمنة الراحة من قدام وجه الرب، ويرسل المنادي به لكم، وهو يسوع المسيح الذي إياه ينبغي للسماء أن تقبله إلى الزمان الذي يسترد فيه كل شيء تكلم به الله على أفواه أنبيائه القديسين منذ الدهر أن موسى قال: إن الرب إلهكم يقيم لكم نبياً من إخوتكم مثلي له تسمعون في كل ما يكلمكم به، ويكون كل نفس لا تسمع ذلك النبيّ تهلك من الشعب". فهذه العبارة تدلّ صراحة على أنّ هذا النبيّ غير المسيح عليه السلام، وأن المسيح لا بد أن تقبله السماء إلى زمان ظهور هذا النبيّ.
وهذه الوجوه التي ذكرتها تصدق في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكمل صدق؛ لأنه غير المسيح عليه السلام، ويماثل موسى عليه السلام في أمور كثيرة، منها: (1) كونه عبد الله ورسوله. (2) كونه ذا الوالدين. (3) كونه ذا نكاح وأولاد. (4) شريعته مشتملة على السياسات المدنية. (5) أنه مأمور بالجهاد. (6) اشتراط الطهارة وقت العبادة في شريعته. (7) وجوب الغسل للجنب والحائض والنفساء في شريعته. (8) اشتراط طهارة الثوب من البول والبراز. (9) حرمة غير المذبوح وقرابين الأوثان. (10) شريعته مشتملة على العبادات البدنية والرياضة الجسمانية. (11) أمره بحد الزنا. (12) تعيين الحدود والتعزيرات والقصاص. (13) كونه قادراً على إجرائها. (14) تحريم الربا. (15) أمره بالإنكار على من يدعو إلى غير الله. (16) أمره بالتوحيد الخالص. (17) أمره الأمة بأن يقولوا له: عبد الله ورسوله. (18) موته على الفراش. (19) كونه مدفوناً كموسى. (20) عدم كونه ملعوناً لأجل أمته.
8- في هذه البشارة أنّ النبيّ الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره به يقتل. فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبياً حقاً، لكان يقتل. وعيسى عليه السلام بزعم أهل الكتاب قتل وصلب، فلو كانت هذه البشارة في حقه للزم أن يكون نبياً كاذباً، كما يزعمه اليهود.
9- إنّ محمداً صلى الله عليه وسلم أخبر عن الأمور الغيبية الكثيرة في المستقبل، وظهر صدقه فيها.
10- إنّ علماء اليهود سلّموا كونه مبشراً به في التوراة، لكن بعضهم أسلم، وبعضهم بقي على الكفر.
انظر إظهار الحق 2362-370.