لما جاءهم به من آيات الأنبياء، وهم يعجبون مما جاء به لكونه خارجاً عما اعتادوه من النظائر، فإنهم لم يعرفوا قبل مجيئه؛ لا توحيداً، ولا نبوةً، ولا معاداً؛ قال تعالى: {قُلْ هَلُمّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} 1.
الحكمة من جعل الرسول من البشر
وأما حكمته في إرسال بشر: فقد ذكر أنّه من جنسهم، وأنّه بلسانهم؛ فهو أتمّ في الحكمة والرحمة2، وذكر أنّهم لا يمكنهم الأخذ عن المَلَك3، وأنّه لو نزّل ملكاً، لكان يجعله في صورة بشر، ليأخذوا عنه4.
__________
1 سورة الأنعام، الآية 150.
2 من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل الرسل بشراً، كي يسهل على أممهم الأخذ عنهم؛ بالتأسّي بهم، والاقتداء بأفعالهم؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب، الآية 21] ، وقال تعالى يحكي عن مقولة الرسل لأممهم: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة إبراهيم، الآية 17] ، وقال تعالى مانّاً على المؤمنين: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [سورة آل عمران، الآية 164] .
وهذا أتمّ في إقامة الحجة عليهم، إضافة إلى كونه أتمّ في رحمتهم؛ إذ لا يمكنهم الأخذ إلا عمّن هو من جنسهم، ويتكلّم بلسانهم.
3 رؤية الملائكة أمر صعب وخطير، فالكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت، أو حين نزول العذاب، فلو قدّر أنهم رأوهم وقت نزول العذاب لكانت رؤيتهم لهم في يوم هلاكهم. انظر الرسل والرسالات لعمر الأشقر ص 72.
قال تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [سورة الفرقان، الآية 22] .
وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ} [سورة الأنعام، الآية 8] .
4 قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [سورة الأنعام، الآية 9] .