كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

ولهذا لم يكن البشر يرون الملائكة إلا في صورة الآدميين1؛ كما كان جبريل يأتي في صورة دحية الكلبي2، وكما أتى مرّة في صورة
__________
1 ومن الآيات القرآنية الدالة على تشكّل الملائكة بصورة الآدميين: الآيات التي تحدّثت عن مجيء جبريل عليه السلام إلى مريم، وهي قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} [سورة مريم، الآيات 16-19] .
ومن الآيات: تلك التي تحدثت عن مجيء الملائكة إلى لوط عليه السلام في صورة شباب حسان، وهي قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ. وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [سورة هود، الآيتان 77-78] .
ومن ذلك: دخول الملكين بصورة رجلين، وتسورهما المحراب على داود عليه السلام؛ قال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [سورة ص، الآيتان 21-22] .
2 روى البخاري رحمه الله في صحيحه 31330، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام عن أبي عثمان قال: "أُنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعنده أمّ سلمة، فجعل يُحدّث، ثم قام، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: مَنْ هذا؟ أو كما قال. قال: قالت: هذا دحية. قالت أم سلمة: أيم الله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبيّ صلى الله عليه وسلم بخبر جبريل، أو كما قال. قال: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ قال: من أسامة بن زيد".
وانظر صحيح مسلم 41906، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وكان جبريل عليه السلام يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورة دحية. أخرجه الإمام أحمد في مسنده 8167 ط المعارف، وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إسناده صحيح. وانظر: منهاج السنة النبوية 2534. ودرء تعارض العقل والنقل 6109-110. وكتاب الصفدية 1196-198، 201.
ودحية الكلبي: هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي القضاعي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسوله بكتابه إلى عظيم بُصرى ليُوصله إلى هرقل. أسلم دحية قبل بدر، ولم يشهدها، وكان يتشبّه به جبريل عليه السلام، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته، وكان من أجمل الناس وجهاً. شهد اليرموك، وسكن المزة من قرى دمشق، وبقي إلى زمن معاوية.
انظر سير أعلام النبلاء 2550. والإصابة لابن حجر 1463.

الصفحة 681