فسوّى، [والذي] 1 قدَّر فهدى، وهو الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى2.
__________
1 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
2 وقد وضّح شيخ الإسلام رحمه الله هذا الأمر في مواضع كثيرة، وبيَّن أنّ الله الأكرم جلّ وعلا يسّر لعباده معرفة رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنّ طرق معرفتهم كثيرة جداً ومتنوعة؛ فقال رحمه الله تعالى: "قد ذكرنا ما تيسّر من طرق الناس في المعرفة بالله ليُعرف أنّ الأمر في ذلك واسع، وأنّ ما يحتاج الناس إلى معرفته؛ مثل الإيمان بالله ورسوله، فإنّ الله يوسع طرقه وييسرها، وإن كان الناس متفاضلين في ذلك تفاضلاً عظيماً. وليس الأمر كما يظنّه كثير من أهل الكلام؛ من أنّ الإيمان بالله ورسوله لا يحصل إلا بطريق يعيّنونها، وقد يكون الخطأ الحاصل بها يُناقض حقيقة الإيمان، كما أنّ كثيراً منهم يذكر أقوالاً متعدّدة، والقول الذي جاءت به الرسل، وكان عليه سلف الأمة لا يذكره ولا يعرفه. وهذا موجود في عامة الكتب المصنّفة في المقالات والملل والنحل ... فيبقى الناظر في كتبهم حائرً، ليس فيما ذكروه ما يهديه ويشفيه، ولكن قد يستفيد من ردّ بعضهم على بعض علمه ببطلان تلك المقالات كلها". درء تعارض العقل والنقل 966-67.
وقال رحمه الله تعالى أيضاً: "كلما كان الناس أحوج إلى معرفة الشيء، فإنّ الله يوسّع عليهم دلائل معرفته كدلائل معرفة نفسه، ودلائل نبوة رسوله، ودلائل ثبوت قدرته وعلمه وغير ذلك؛ فإنّها دلائل كثيرة قطعية، وإن كان من الناس من قد يضيق عليه ما وسّعه الله على من هداه؛ كما أنّ من الناس من يعرض له شكّ وسفسطة في بعض الحسيّات والعقليات التي لا يشك فيها جماهير الناس. والمقصود هنا أنّا نحن أخرجنا الله من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، فنفتقر في حصول العلم إلى أسباب غير أنفسنا. ومن الأشياء ما نعلمها بمشاعرنا بلا دليل، ومنها ما نفتقر في العلم به إلى دليل، فلا نكون عالمين به حتى نعلم الدليل الذي يستلزم في علمنا به علمنا بالمدلول عليه. والرب تعالى علمه من لوازم نفسه المقدسة، وكذلك قدرته، لم يستفد شيئاً من صفاته المقدسة من غيره، ولم يحتج إلى سواه بوجه من الوجوه، بل هو الغني عن كلّ ما سواه". درء تعارض العقل والنقل 10129-130. وانظر: الرد على المنطقيين ص 254-255. والجواب الصحيح 5141.
ويذكر رحمه الله تعالى كثيراً من الدلائل والعلامات التي تدلّ على صدق الرسول؛ فيقول: "وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من آياته وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وعلم أمته ودينهم من آياته، وكرامات صالح أمته من آياته، وذلك يظهر بتدبّر سيرته؛ من حين ولد إلى أن بُعث، ومن حيث بعث إلى أن مات، وتدبّر نسبه، وبلده، وأصله، وفصله؛ فإنّه كان من أشرف أهل الأرض نسباً؛ من صميم سلالة إبراهيم الذي جعل الله في ذريّته النبوّة والكتاب....... لم يزل معروفاً بالصدق، والبرّ والعدل، ومكارم الأخلاق، وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم ... لا يُعرف بشيء يعابه؛ لا في أقواله، ولا أفعاله، ولا في أخلاقه ... ". دقائق التفسير 1159.
وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى تنوع طرق الهداية والدلالة على صدق المرسلين؛ فقال رحمه الله: "فطرق الهداية متنوعة رحمة من الله بعباده، ولطفاً بهم؛ لتفاوت عقولهم، وأذهانهم، وبصائرهم؛ فمنهم من يهتدي بنفس ما جاء به، وما دعا إليه، من غير أن يُطلب منه برهان خارجاً عن ذلك؛ كحال الكمل من الصحابة، كالصديق رضي الله عنه. ومنهم من يهتدي بمعرفة حاله صلى الله عليه وسلم، وما فُطر عليه من كمال الأخلاق والأوصاف والأفعال.... كخديجة رضي الله عنها ... وهذه المقامات في الإيمان عجز عنها أكثر الخلق، فاحتاجوا إلى الآيات والخوارق ... " مفتاح دار السعادة 213.