أحدها: أن ينال العلم بلا تعلّم، ويسميها القوة القدسية؛ وهي القوة الحدسية عنده.
والثاني: أن يتخيّل في نفسه ما يعلمه؛ فيرى في نفسه صوراً نورانية، ويسمع في نفسه أصواتاً؛ كما يرى النائم في نومه صوراً تكلّمه، ويسمع كلامهم، وذلك موجود في نفسه لا في الخارج. فهكذا عند هؤلاء جميع ما يختص به النبي مما يراه ويسمعه دون الحاضرين، إنّما يراه في نفسه ويسمعه في نفسه، وكذلك الممرور1 عندهم2.
والثالث: أن يكون له قوّة يتصرّف بها في هيولي العالم، بإحداث أمور غريبة؛ وهي عندهم آيات الأنبياء، وعندهم ليس في العالم حادثٌ إلا عن قوّة نفسانية، أو ملكية، أو طبعية؛ كالنفس الفلكية3،
__________
1 المرّة: إحدى الطبائع الأربع، وهي مزاج من أمزجة البدن. والمَرارة التي فيها المِرّة. والممرور الذي غلبت عليه المرة. انظر لسان العرب لابن منظور 5168.
2 انظر ذلك عند المتفلسفة؛ فقد ذكر مثل هذا الكلام: كلّ من: الفارابي في آراء أهل المدينة الفاضلة ص 116. وابن سينا في الإشارات والتنبيهات 4871-872. وذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله عنهم، وبسطه في كتبه؛ مثل: منهاج السنة النبوية 821. وكتاب الصفدية 16.
3 هي أفلاك تتحرّك، ولا تتمّ حركة كلّ واحدٍ منها إلا بمعاضدة غيره من الأفلاك له.
انظر: المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي ص 95. وشرح المواقف للجرجاني ص 554.
وانظر: الرد على المنطقيين ص 474-475، 480. وكتاب الصفدية 134. وبغية المرتاد ص 326.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله عن الفلاسفة: "وقد تنازعوا في النفس الفلكية: هل هي جوهر، أو عرض؟ وأكثرهم يقولون هي عرض، ولكنّ ابن سينا وطائفة رجّحوا أنّها جوهر". كتاب الصفدية 134.
وقال رحمه الله أيضاً عن معتقد هؤلاء الفلاسفة من القرامطة في اللوح المحفوظ، وأنّه النفس الكلية، فحكى عنهم قولهم: "أنّ اللوح المحفوظ؛ وهو العقل الفعّال، أو النفس الكلية، وذلك ملَك من الملائكة، وأنّ حوادث الوجود منتقشة فيه، فإذا اتصلت به النفس الناطقة فاضت عليها..". بغية المرتاد ص 326.
وقال رحمه الله عن تأويلاتهم للّوح المحفوظ بالنفس الكلية، والقلم بالعقل الفعّال، وغير ذلك: "وأما العلميات: فتأولوا بعضها؛ كاللوح، قالوا: هو النفس الفلكية، والقلم قالوا هو العقل الفعال، وربما قالوا عن الكوكب والشمس والقمر التي رآها إبراهيم إنها النفس والعقل الفعال والعقل الأول، وتأوّلوا الملائكة، ونحو ذلك..". الرد على المنطقيين ص 281.