كتاب النبوات لابن تيمية (اسم الجزء: 1)

أمر الله، واقصدوا رضى الله بجمع كل ما تقدرون عليه من أنواع المؤلفات الكبار، وأشتات المسائل الصغار، ومن نسخ الفتاوى المتفرقة، وسائر كلامه الذي قد مُلئ - ولله الحمد - من الفوائد، والفرائد، والشوارد. فأيقظوا الهمم، وبذلوا الأموال الكثيرة في تحصيل هذا المطلب العظيم الذي لا نظير له. فهذا هو الذي يلزمنا من حيث الأسباب والتمام على رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وفاتح الأبواب، الذي يقيم دينه، وينصر كتابه، وسنة نبيه على الدوام، ويثبت من يؤهله لذلك من أنواع الخاص والعام. وكلٌّ مجزي في القيامة بعمله، وما ربّك بظلام للعبيد.
وقد عُلم أن الإمام أحمد بن حنبل كان ينهى في حال حياته عن كتابة كلامه ليجمع القلوب على المادة الأصلية العظمى، ولما توفي استدرك أصحابه ذلك الأمر الكبير، فنقلوا علمه، وبيّنوا مقاصده، وشهروا فوائده، فانتصرت طريقته، واقتفيت آثاره، لأجل ذلك الوجود هو على هذه الصفة قديماً وحديثاً. فلا تيأسوا من قبول القلوب القريبة والبعيدة لكلام شيخنا، فإنه ولله الحمد مقبول طوعاً وكرهاً. وأين غايات قبول القلوب السليمة لكلماته، وتتبع الهمم النافذة لمباحثه وترجيحاته. ووالله إن شاء الله ليقيمنّ الله - سبحانه - لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهمه، واستخراج مقاصده، واستحسان عجائبه وغرائبه رجالاً هم إلى الآن في أصلاب آبائهم. وهذه سنة الحياة الجارية في عباده وبلاده. والذي وقع من هذه الأمور في الكون لا يحصى عدده غير الله - تعالى. ومن المعلوم أن البخاري مع جلالة قدره أُخرج طريداً ثم مات بعد ذلك غريباً، وعوضه الله - سبحانه - عن ذلك بما لا خطر في باله، ولا مرّ في خياله؛ من عكوف الهمم على كتابه، وشدة احتفالها به، وترجيحها له على جميع كتب السنن، وذلك لكمال صحته،

الصفحة 75