كتاب النبأ العظيم

هو ألوان وفنون. "أم" أنتم اليوم تكذبون ثم إذا وقع بعد حين آمنتم به؟ ألا إنه لن ينفعكم يومئذ إيمانكم بعد أن ماطلتم وسوَّفتم حتى ضيعتم الفرصة وفاتكم وقت التدارك. بل هناك يقال لكم تنديمًا وتحسيرًا: الآن تؤمنون وقد كنتم به تكذبون وتستعجلون!!
هذا هو المعنى في ثوبه الطبيعي.
فانظر كم من كلمة وكم من جملة طويت في صدر الكلام وفي شقيه؟ وكيف أنها حين طويت لم يُترك شيء منها إلا وقد جعل في اللفظ مصباح يكشف عنه ومفتاح يوصل إليه؟ فوضع استفهامين متقابلين في الكلام دل على أن هنالك استفهامًا جامعًا لهما مرددًا بينهما، يقال فيه:
ماذا تصنعون، وأي الطريقين تسلكون؟
والاستفهام عن الصنف المستعجل به من العذاب دل على استفهام تمهيدي قبله عن حصول أصل الاستعجال. وكلمة "المجرمون" دلت على استحالة هذا الشق من التزديد. وكلمة "ثم" العاطفة دلت على المعطوف عليه المطوي بينها وبين الهمزة. ولفظ الظرف "الآن" دل على عامله المقدر. وقس على ذلك سائر المحذوفات.. حتى إن مدة الاستفهام الداخلة على هذا الظرف قد دلت على طول مدة التسويف الذي منع من قبول إيمانهم؛ لأنهم عُمِّروا ما يتذكر فيه مَن تذكَّر.
فمن ذا الذي يستطيع أن يجري في هذا المضمار شرفًا أو شرفين ثم لا تضطرب أنفاسُه، ولا تكبو به ركائبُ البيان وأفراسُه؟
اللهم إن من دون ذلك لَشُقَّةً بعيدة وسفرًا غير قاصد. وإن في دون ذلك لحدًّا للإعجاز.

الصفحة 175