كتاب النبأ العظيم

بالمقصود بعد التنبيه إليه.
وكذلك المربي الصالح "يبدأ" خطابه الجليل الشأن باستنصات الناس واسترعاء أسماعهم "ويثني" باتخاذ الوسائل المشوقة التي تثير فهم بواعث الإقبال على طلب الاستفادة.
3- بيان أثر القرآن في المؤمنين:
أول ما تتشوف إليه النفس بعد سماع هذا الوصف البليغ للقرآن وهدايته هو تعرف الأمر الذي سيحدثه في الناس ومقدار إجابتهم لدعوته. فمست الحاجة إلى أن ينساق الحديث لبيان هذه الحقيقة العجيبة، وهي انقسام الناس في شأنه إلى فئات ثلاث: فئة تؤمن به، وأخرى كافرة، وثالثة مترددة حائرة، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فكيف ترى ينتقل من الحديث عن الكتاب إلى الحديث عن الناس؟ أيجعل الحديث عنهم حديثًا مؤتنفًا ائتنافًا بحتًا؟ .. أم يسوقه مساق الاستدراك على ما قبله؟ ..
شيء من ذلك لم يكن. ولكن انظر إليه وقد مزج الحديثين مزجًا عجيبًا يدع أدق الناس فطنة لتصريف وجوه القول لا يفطن لما حدث بينهما من الانتقال. ذلك أنه في أول الأمر لم يعرض لذكر الطائفتين الأخيرتين، بل أعرض عنهما، كأن القرآن لم ينزل من أجلهما، ثم عمد إلى الطائفة الأولى فجعل الحديث عنها من تمام الحديث عن هداية القرآن نفسه قائلًا: إنه {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} فكانت هذه "اللام الجارة" هي المعبرة السرية التي انزلق عليها الكلام وانصب انصبابًا واحدًا إلى نهاية الحديث عن المؤمنين.
4- الحديث عن الكافرين:
ولقد كان قصر الانتفاع بهداية القرآن على هذه الطائفة وحدها بعد وصف القرآن بأنه الحق الواضح الذي لا ريبة فيه -حريًّا في بادئ الرأي أن يعد من المفارقات التي تثير في نفس السامع أشد العجب، إذ كيف تكون الحقائق القرآنية بهذه المرتبة من

الصفحة 199