كتاب النبأ العظيم
وسوف يلمس القارئ بنفسه كيف قذف الشيخ دراز بهذه "الحقيقة" في العقول والقلوب، وقطع كل الأعذار أمام المشككين، ومن ادعوا جهلًا وحماقةً وعنادًا، أن القرآن "بشري المصدر" كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذبًا.
إن مهمة الدعاة -ومنهم الرسل- أن يبلغوا الناس ما أنزل إليهم من ربهم، وأن يقيموا الحجة، لكن على الناس؛ ليؤمن من يؤمن على بينة، ويكفر من يكفر وهو شاهد على نفسه بالعناد والمكابرة، وهذا هو الذي قام به أستاذنا محمد عبد الله دراز بالنسبة لـ"سماوية القرآن"، فقد جلاها أمام العقل والقلب حتى لكأن من ينكرها ينكر نفسه وهو في هذا الموقف. وكفى بمن ينكر وجود نفسه رعونة وجهلًا وحماقةً وتخريفًا.
وبعد فراغه من إثبات هذه الحقيقة بكل وسائل القوة والإقناع، أخذ يتحدث عن مواضع حافلة بدلائل الإعجاز، منها ما يعم القرآن كله، ومنها مواقف فردة فذة، فأقنع وأمتع، وطلع على الباحثين في الإعجاز القرآني من حيث لا يعهدون ولا يعرفون.
ومن ذلك ما وسم به الأسلوب القرآني المعجز كله من هذه الخصائص البيانية المعجزة، التي لم تعرف في كلام سواه:
- خطاب العامة وخطاب الخاصة.
- القصد في اللفظ والوفاء بحق المعنى.
- البيان والإجمال.
يقصد الشيخ أن القرآن بجمع بين الأغراض التي هي عند الناس على طرفي نقيض، لكنك ترى القرآن يجمع بينها في تآلف وتآزر فيخاطب الخاصة بخطاب العامة، والعامة بخطاب الخاصة، ويقنع العقل ويمتع العاطفة في عبارة واحدة، ويجمل ويبين، ويوجز مع الوفاء بحق المعنى، وهذا غير معهود في كلام البشر مهما كان نصيبه من الفصاحة
الصفحة 7
283