كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 6)

فإنه لم يكمل شيء إلا نقص، قال: صدقت!» فكانت هذه الآية نعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عاش بعدها إحدى وثمانين يوماً وقد روي أنه كان هجيري النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفة من العصر إلى الغروب شهد الله أنه لا إله إلا هو - الآية، وكأن ذلك كان جواباً منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذه الآية، لفهمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن إنزال آية سر الإسلام وأعظمه وأكمله، وهذه الآية من المعجزات، لأنها إخبار بمغيب صدقها فيه الواقع.
ولما تمت هذه الجمل الاعتراضية التي صار ما بينها وبين ما قبلها وما بعدها بأحكام الرصف واتقان الربط من الامتزاج أشد مما بين الروح والجسد، المشيرة إلى أن هذه المحرمات هي التي تحقق بها أهل الكفر كمال المخالفة، فأيسوا معها من المواصلة والمؤالفة؛ رجع إلى تتمات لتلك المحظورات، فقال مسبباً عن الرضى بالإسلام الذي هو الحنيفة السمحة المحرمة لهذه الخبائث لإضرارها بالبدن والدين: {فمن اضطر} أي ألجىء إلجاء عظيماً - من أي شيء كان - إلى تناول شيء مما مضى أنه حرم، بحيث لا يمكنه معه الكف عنه {في مخمصة} أي مجاعة عظيمة {غير متجانف} أي متعمد ميلاً {لإثم} أي بالأكل على غير سد الرمق، أو بالبغي على مضطر آخر بنوع مكر أو العدو عليه

الصفحة 18