كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 6)

كما مضى بالمحل الذي هي به، لما كان ذلك كذلك ختمت هذه الآية بقوله تعالى منفرداً من نكاحهن بعد إحلاله، إشارة إلى أن الورع ابتعد عنه، امتثالاً للآيات الناهية عن موادة المحاد لئلا يحصل ميل فيدعو إلى المتابعة، أو يحصل ولد، فتستميله لدينها: {ومن} أي أحل لكم ذلك والحال أنه من {يكفر} أي يوجد ويجدد الكفر على وجه طمأنينة القلب به والاستمرار عليه إلى الموت {بالإيمان} أي بسبب التصديق القلبي بكل ما جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب، الذي منه حل الكتابيات، فيدعوه ذلك إلى نكاحهن، فتحمله الخلطة على اتباع دينهن، فيكفر بسبب ذلك التصديق فيكفر بالصلاة التي يلزم من الكفر بها الكفر به، فإطلاقه عليها تعظيم لها
{وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] أي صلاتكم {فقد حبط} أي فسد {عمله} أي إذا اتصل ذلك بالموت بدليل قوله: {وهو في الآخرة من الخاسرين *} والآية من أدلة إمانا الشافعي على استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، فحيث قصد التحذير من الكفر حقيقة فالإيمان حقيقة وحيث أريد الترهيب من إضاعة الصلاة فهو مجاز، ومما يؤيد ذلك أن في السفر الثاني من التوراة: لا تعاهدن سكان الأرض لكيلا تضلوا

الصفحة 28