كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 7)

مما هو محرر عند أهله: جمعها فقال: {السماوات} أي على علوها وإحكامها، قدمها لما تقدم قريباً {والأرض} أي على تحليها بالمنافع وانتظامها.
ولما كان في الجعل معنى التضمن فلا يقوم المجعول بنفسه قال: {وجعل} أي أحدث وأنشأ لمصالحكم {الظلمات} أي الأجرام المتكاثفة كما تقدم {والنور *} وجمع الأول تنبيهاً على أن طرق الشر والهلاك كثيرة تدور على الهوى، وقد تقرر بهذا ما افتتح به السورة، لأن من تفرد باختراع الأشياء كان هو المختص بجميع المحامد، ومن اختص بجميع المحامد لم يكن إله سواه ولم يكن له شريك، لا ثاني اثنين ولا ثالث ثلاثة ولا غير ذلك، وما أحسن ختمها - بعد الإشارة إلى هذه المقاصد المبعدة لأن يكفر به أو يعدل به شيء - بقوله: {ثم الذين كفروا} أي ستروا ما دلتهم عليه عقولهم من أدلة وحدانيته التي لا خفاء بها عن أحد جرّد نفسه من الهوى، وعالج أدواءه بأنفع دواء، لإحاطته بجميع صفات الكمال، وزاد الأمر تقبيحاً عليهم بإبدال ما كان الأصل في الكلام من الضمير بقوله: {بربهم} أي المحسن إليهم الذي لم يروا إحساناً إلا منه {يعدلون *} أي يجعلون غيره ممن لا يقدر على شيء معادلاً له مع معرفتهم به بأنه الذي أبدع الأشياء،

الصفحة 4