كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 13)

كائناً ما كان.
ولما كان ذلك شاغلاً عن الصلاة، قال: {والمقيمي الصلاة} أي وإن حصل لهم من المشاق بأفعال الحج وغيره ما عسى أن يحصل، ولذلك عبر بالوصف دون الفعل إشارة إلى أنه لا يقيمها على الوجه المشروع مع ذلك المشاق والشواغل إلا الأراسخ في حبها، فهم - لما تمكن من حبها في قلوبهم والخوف من الغفلة عنها - كأنهم دائماً في صلاة.
ولما كان ما يحصل فيه من زيادة النفقة ربما كان مقعداً عنه، رغب فيه بقوله: {ومما رزقناهم} فهم لكونه نعمة منا لا يبخلون به، ولأجل عظمتنا يحسنون ظن الخلف {ينفقون*} أي يجددون بذله على الاستمرار، بالهدايا التي يغالون في أثمانها وغير ذلك، إحساناً إلى خلق الله، امتثالاً لأمره كالخبت الباذل لما يودعه تعالى فيه من الماء والمرعى.
ولما قدم سبحانه الحث على التقرب بالأنعام كلها، وكانت الإبل أعظمها خلقاً، وأجلها في أنفسهم أمراً، خصها بالذكر في سياق تكون فيه مذكورة مرتين معبراً بالاسم الدال على عظمها، أو أنه خصها لأنه خص العرب بها دون الأمم الماضية، فقال عاطفاً على قوله {جعلنا منسكاً} أو يكون التقدير والله أعلم: فأشركناكم مع الأمم الماضية

الصفحة 49