كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 13)

بعد الازدحام بين رائحها وغاديها، دانية ونائية، حاضرة وبادية؛ ولما كان خراب المشيد يوهى من أركانه، ويخلق من جدارنه، لم يحس التشديد في وصف القصر، كما حسن في وصف البئر.
ولما كان هذا واعظاً لمن له استبصار، وعاطفاً له إلى العزيز الغفار، تسبب عنه الإنكار عليهم في عدم الاعتبار، فعد أسفارهم - التي كانوا يرون فيها هذه القرى على الوجه الذي أخر به سبحانه لما كانت على ذلك الوجه - عدماً، فقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض} أي وهم بصراء ينظرون بأعينهم ما يمرون عليه، من الآيات المرئية من القرى الظالمة المهلكة وغيرها، وقرينة الحث على السير دل على البصر.
ولما كان الجواب منصوباً، علم أنه منفي لأنه مسبب عن همزة الإنكار التي معناها النفي، وقد دخلت على النفي السير فنفته، فأثبتت السير عرياً عما أفاده الجواب، وهو قوله {فتكون} أي فيتسبب عن سيرهم أن تكون {لهم قلوب} واعية {يعقلون بها} ما رأوه بأبصارهم في الآيات المرئيات من الدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته على الإحياء والإماتة متى أراد فيعتبروا به، فانتفاء القلوب الموصوفة متوقف على نفي السير الذي هو إثبات السير، وكذا الكلام في الآذان من قوله {أو} أي أو تكون لهم إن كانوا عمي الأبصار

الصفحة 63