كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 14)

{ونزع يده} أي التي كانت احترقت لما أخذ الجمرة وهو في حجر فرعون، وبذل فرعون جهده في علاجها بجميع من قدر عليه من الأطباء فعجز عن إبرائها، نزعها من جيبه بعد أن أراه إياها على ما يعهده منها ثم أدخلها في جيبه {فإذا هي} بعد النزع {بيضاء للناظرين*} أي بياضاً تتوفر الدواعي على نظره لخروجه عن العادة بأن له نوراً كنور الشمس يكاد يغشي الأبصار {قال} أي فرعون {للملأ حوله} لما وضح له الأمر، يموه على عقولهم خوفاً من إيمانهم: {إن هذا لساحر عليم*} أي شديد المعرفة بالسحر، وخص في هذه السورة إسناداً هذا الكلام إليه لأن السياق كله لتخصيصه الخطاب لما تقدم، ونظراً إلى {فظلت أعناقهم لها خاضعين} لأن خضوعه هو خضوع من دونه، فدلالته على ذلك أظهر، ولا ينفي ذلك أن يكون قومه قالوه إظهاراً للطواعية - كما مضى في الأعراف.
ولما أوقفهم بما خيلهم به، أحماهم لأنفسهم فقال ملقياً لجلباب الأنفة لما قهره من سلطان المعجزة: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} أي هذه التي هي قوامكم {بسحره} أي بسبب ما أتى به منه، فإنه يوجب استتباع الناس فيتمكن مما يريد بهم؛ ثم قال لقومه - الذين كان يزعم أنهم عبيده وأنه إلههم - ما دل على أنه خارت قواه،

الصفحة 29