كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 14)

فقال: {إلى موسى} وفسر الوحي الذي فيه معنى القول بقوله: {أن اضرب بعصاك البحر} أي الذي أمامكم، وهو بحر القلزم الذي يتوصل أهل مصر منه إلى الطور وإلى مكة المشرفة وما والاها {فانفلق} أي فضربه فانشق بسبب ضربه لما ضربه امتثالاً لأمر الله وصار اثني عشر فرقاً على عدد أسباطهم {فكان كل فرق} أي جزء وقسم عظيم منه {كالطود} أي الجبل في إشرافه وطوله وصلابته بعدم السيلان {العظيم*} المتطاول في السماء الثابت لا يتزلزل، لأن الماء كان منبسطاً في أرض البحر، فلما انفرق وانكشفت فيه الطرق انضم بعضه إلى بعض فاستطال وارتفع في السماء.
ولما كان التقدير: فأدخلنا كل شعب منهم في طريق من تلك الطرق، عطف عليه: {وأزلفنا} أي قربنا بعظمتنا من قوم موسى عليه السلام؛ قال البغوي. قال أبو عبيدة: جمعنا، ومنه ليلة المزدلفة، أي ليلة الجمع.
ولما كان هذا الجمع في غاية العظمة وعلو الرتبة، أشار إلى ذلك بأداة البعد فقال: {ثم} أي هنالك، فإنها ظرف مكان للبعيد {الآخرين*} أي فرعون وجنوده {وأنجينا موسى ومن معه} وهم الذين اتبعوه من قومه وغيرهم {أجمعين*} أي لم نقدر على أحد

الصفحة 44