كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 14)

وجه التعجب منه إشارة إلى أنه لا وجه له، قال {فأنى} أي فكيف ومن أي وجه {يؤفكون*} أي يصرف من صارف ما من لم يتوكل عليه أو لم يخلص له العبادة في كل أحواله، وجميع أقواله وأفعاله، عن الإخلاص له مع إقرارهم بأنه لا شريك له في الخلق فيكون وجهه إلى قفاه فينظر الأشياء على خلاف ما هي عليه فيقع في خبط العشواء وحيرة العجباء.
ولما كان قد يشكل على ذلك التفاوت في الرزق عند كل من لم يتأمل حق التأمل فيقال: بكل الخلق والرزق له، فما بالهم متفاوتين في الرزق؟ قال: {الله} أي بما له من العظمة والإحاطة بصفات الكمال {يبسط الرزق} بقدرته التامة {لمن يشاء من عباده} على حسب ما يعلم من بواطنهم {ويقدر} أي يضيق.
ولما كان ذلك إنما هو لمصالح العباد وإن لم يظهر لهم وجه حكمته قال: {له} أي لتظهر من ذلك قدرته وحكمته، وأنت ترى الملوك وغيرهم من الأقوياء يفاوتون في الرزق بين عمالهم بحسب ما يعلمون من علمهم الناقص بأحوالهم، فما ظنك بملك الملوك العالم علماً لا تدنو من ساحته ظنون ولا شكوك، وهذه الآية نتيجة ما قبلها.
ولما كان سبحانه يرزق الناس، ويمكن لهم بحسب ما يعلم من

الصفحة 471