كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 14)

{فهو} أي فتسبب عن تفرده بخلقي أنه هو لا غيره {يهدين*} أي إلى الرشاد، ولأنه لا يعلم باطن المخلوق ويقدر على كمال التصرف فيه غير خالقه، ولا يكن خالقه إلا سمعياً بصيراً ضاراً نافعاً، له الكمال كله، ولا شك أن الخلق للجسد، والهداية للروح، وبالخلق والهداية يحصل جميع المنافع، والإنسان له قالب من عالم الخلق، وقالب من عالم الأمر، وتركيب القالب مقدم كما ظهر بهذه الآية، ولقوله
{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} [الحجر: 29] وأمثال ذلك، وذكر الخلق بالماضي لأنه لا يتجدد في الدنيا، والهداية بالمضارع لتجددها وتكررها ديناً ودنيا {والذي هو} أي لا غيره {يطعمني ويسقين} ولو أراد لأعدم ما آكل وما أشرب أو أصابني بآفة لا أستطيع معها أكلاً ولا شرباً.
ولما كان المرض ضرراً، نزهه عن نسبته إليه أدباً وإن كانت نسبة الكل إليه سبحانه معلومة، بقوله: {وإذا مرضت} باستيلاء بعض الأخلاط على بعض لما بينها من التنافر الطبيعي {فهو} أي وحده {يشفين*} بسبب تعديل المزاج بتعديل الأخلاط وقسرها على الاجتماع والاعتدال، لا طبيب ولا غيره وإن تسببت أنا في أمراض نفسي ببرد أو حر أو طعام أتناوله أو غير ذلك لأنه قادر على ما يريد.

الصفحة 52