كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 14)

{نوح} وأشار إلى حسن أدبه، واستجلابهم برفقه ولينه، بقوله: {ألا تتقون*} أي تكون لكم تقوى، وهي خوف يحملكم على أن تجعلوا بينكم وبين سخطه وقاية بطاعته بالتوحيد وترك الالتفات إلى غيره؛ ثم علل أهليته للأمر عليهم بقوله: {إني لكم} أي مع كوني أخاكم يسوءني ما يسوءكم ويسرني ما يسركم {رسول} أي من عند خالقكم، فلا مندوحة لي عند إبلاغ ما أمرت به {أمين*} أي لا غش عندي كما تعلمون ذلك مني على طول خبرتكم بي، ولا خيانة في شيء من الأمانة، فلذلك لا بد لي من إبلاغ جميع الرسالة.
ولما عرض عليهم التقوى بالرفق، وعلل ذلك بما ثبت به أمرها، تسبب عنه الجزم بالأمر فقال: {فاتقوا الله} أي أوجدوا الخو والحذر والتحرز من الذي اختص بالجلال والجمال، مبادرين إلى ذلك بتوحيده لتحرزوا أصل السعادة فتكونوا من أهل الجنة {وأطيعون*} أي في كل ما آمركم لتحرزوا رتبة الكمال في ذلك، فلا يمسكم عذاب.
ولما أثبت أمانته، نفى تهمته فقال: {وما أسألكم عليه} أي على هذا الحال الذي أتيتكم به؛ وأشار إلى الإعراق في النفي بقوله: {من أجر} أي ليظن ظان أني جعلت الدعاء سبباً له؛ ثم

الصفحة 62