كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 16)

{وخر موسى صعقاً} [الأعراف: 143] أي مغشياً عليه، دل على ذلك قوله سبحانه {فلما أفاق} إنما يقال: أفاق من العلة والغشية وبعث من الموت، قال: وجملة الصاعقة الصوت مع النار، وقال أبو عبد الله يعني القزاز: الصعق هو أن يسمع الإنسان صوت الهدة الشديدة فيصعق لذلك عقله، واشتقاق الصاعقة من هذا، سميت صاعقة لشدة صوتها وتقول: إنه لصعق، أي شديد الصوت، وكذا هو صعاق - انتهى.
فتحرر من هذا أن الصعق يطلق على الموت فجأة، وعلى الغشي كذلك، وأن الإفاقة لا تكون إلا عن غشي لا عن موت، فعلم أن الصعقة في هذه الآية إنما هي غشي لأن الثانية عنها إفاقة، وأيضاً فمن الأمر المحقق أنه لا يموت أحد من أهل البرزخ فكيف بالأنبياء عليهم السلام، فالصواب حمل الصعقة المذكورة في الحديث على الغشي أو ما يشبهه، ويؤيده التجويز لأن تكون صعقة الطور جزاء عنها، وعلى تقدير أن تكون غشياً إن قلنا إنه يكون بنفخة الإماتة يلزم عليه أن لا يكون للغشي ولا لعدمه مدخل في الشك في أن موسى عليه السلام أفاق قبل أو لم يحصل له غشي أصلاً، لأن الذي يكون به بطشه بالعرش - وهو بروحه وجسه - إنما هو البعث من الموت لا الإفاقة من الغشي ولا عدم الغشي قبل البعث، فالذي يوضح الأمر ولا يدع فيه لبساً أن يكون ذلك بعد البعث، وتكون حينئذ النفخات أربعاً: الأولى لإماتة الأحياء، الثانية لإحياء جميع الموتى، وهاتان هما المذكورتان في سورة يس،

الصفحة 558