كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 16)

حياً، ثانيها نفخة إحياء فيقوم كل ميت، والثالثة نفخة فزع وصعق يفيقون منها كالمغشي عليهم، لا يموت منها أحد، والرابعة إفاقة من ذلك الغشي، ثم رده شيخنا بأن الصعقات أربع، ولا يستلزم كون النفخات أكثر من اثنتين، وذلك أنه ينفخ في الصور النفخة الأولى فيموت من كان حياً ويغشى على من كان ميتاً، فهاتان صعقتان في النفخة الأولى، وينفخ النفخة الثانية فيفيق من كان مغشياً عليه ويحيى من كان ميتاً، فهاتان اثنتان في النفخة الثانية، وهذا الرد مردود لمن حقق ما قلته بأدنى تأمل، ويلزم عليه أن يكون أصفياء الله أشد حالاً وفزعاً ممن تقوم عليهم الساعة وهم شر عباد الله، والعجب أن الذي رده على ابن حزم سلّمه لعياض - والله الموفق.
ولما ذكر إقامتهم بالحياة التي هي نور البدن، أتبعه إقامتهم بنور جميع الكون ظاهراً بالضياء الحسي، وباطناً بالحكم على طريق العدل الذي هو نور الوجود الظاهري والباطني على الحقيقة كما أن ظلم ظلامة كذلك فقال: {وأشرقت} أي أضاءت إضاءة عظيمة مالت بها إلى الحمرة {الأرض} أي التي أوجدت لحشرهم، وعدل الكلام عن الاسم الأعظم إلى صفة الإحسان لغلبة الرحمة لا سيما في ذلك اليوم فإنه لا يدخل أحد الجنة إلا بها فقال: {بنور ربها} أي الذي رباها بالإحسان إليها بجعلها محلاًّ للعدل والفضل، لا يكون فيها شيء غير ذلك أصلاً،

الصفحة 561