كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (اسم الجزء: 17)

{ما ليس لي به علم} أي نوع من العلم بصلاحيته لشيء من الشركة، فهو دعاء إلى الكذب في شيء لا يحل الإقدام عليه إلا بالدليل القطعي الذي لا يحتمل نوعاً من الشرك، وإذا لم يكن به علم لم يكن له عزة ولا مغفرة، فلم يكن له وجود لأن الملك لازم الإلهية وهو أشهر الأشياء، فما ادعى له أشهر الأشياء، فكان بحيث لا يعرف بوجه من الوجوه، كان عدماً محضاً.
ولما بين أنهم دعوه إلى ما هو عدم فضلاً عن أن يكون له نفع أو ضر في جملة فعليه إشارة إلى بطلان دعوتهم وعدم ثبوتها، بين لهم أنه دعاهم إلا إلى ما له الكمال كله، ولا نفع ولا ضر إلا بيده، فقال مشيراً بالجملة الاسمية إلى ثبوت دعوته وقوتها: {وأنا ادعوكم} أي أوقع دعاءكم الآن وقبله وبعده {إلى العزيز} أي البالغ العزة الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء. ولما وصفه بهذا الوصف ترهيباً، صح قطعاً وصفه ترغيباً بقوله: {الغفار *} أي الذي يتكرر له دائماً محو الذنب عيناً وأثراً ولا يقدر على ذلك غير من هو بصفة العزة، ومن صح وصفه بهذين الوصفين فهو الذي لا يجهل ما عليه، من صفات الكمال أحد، فالآية من الاحتباك: ذكراً أولاً عدم العلم دليلاً على العلم ثانياً، وثانياً العزة والمغفرة دليلاً على حذفهما أولاً.
ولما كان انتفاء العلم بالشيء من أهل العلم انتفاء ذلك الشيء في

الصفحة 77