كتاب نجاح القاري شرح صحيح البخاري - كتاب الجنائز (اسم الجزء: 1)

وقد ذكر المؤرخون سببًا آخر يمكن أن يكون هو السبب الحقيقي لنفرة هذا الأمير من البخاري. فقد طلب من البخاري لما قدم "بخارى" أن يحمل " الجامع " و " التاريخ " وغيرها من كتبه ليسمعها الأمير وأهل بيته، لكن البخاري اعتبر ذلك إذلالًا للعلم. وقال لرسوله: " أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلي شيء منه حاجة، فاحضر إلى مسجدي أو في داري، وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة؛ لأني لا أكتم العلم (¬١)، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار (¬٢) "
توجه إلى سمرقند بعدما آذاه والي بخارى ونفاه منها، فلما وصل إلى "خَرْتَنْك" (¬٣) وهي قرية على ثلاثة فراسخ (¬٤) من سمرقند، كان له بها أقرباء فبقي فيها أيامًا قليلة، ثم توفي وكان ذلك ليلة السبت ليلة عيد الفطر عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ستة وخمسين ومائتين، وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا (¬٥) وكانت حياته كلها حافلة بالعلم معمورة بالعبادة، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
_________
(¬١) تاريخ بغداد (٢/ ٣٤٠).
(¬٢) حديث صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم (١/ ١٨١) (٣٤٣)، ووافقه الذهبي.
(¬٣) معجم البلدان (٢/ ٣٥٦).
(¬٤) الفرسخ: مقياس من مقاييس الطول يقدر بثلاثة أميال، أو اثني عشر ألف ذراع. (نحو ستة كيلو مترات)، معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي - حامد صادق قنيبي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م. (ص: ٤٥١).
(¬٥) تاريخ بغداد (٢/ ٣٤٠) ووفيات الأعيان (٤/ ١٩٠)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٦٦).

الصفحة 24