كتاب نجاح القاري شرح صحيح البخاري - كتاب الجنائز (اسم الجزء: 1)

والطبقة الرابعة: قوم شاركوا أهل الطبقة الثالثة في الجرح والتعديل، وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث الزهري؛ لأنهم لم يصاحبوا الزهريّ كثيرًا، وهم شرط أبي عيسى.
والطبقة الخامسة: نفر من الضعفاء والمجهولين، لا يجوز لمن يخرج الحديث على الأبواب أنْ يخرج حديثهم إلا على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود فمن دونه، فأما عند الشيخين فلا (¬١).
ويبين لنا بأن أهم الشروط التي استظهرها العلماء من خلال الجامع الصحيح ما يلي:
١. أن يكون الإسناد متصلًا غير منقطع.
٢. أن يكون جميع رواة الحديث ثقاتًا عدولًا. بمعنى أن يكون كل راو من رواته غير مدلس (¬٢)، ولا مختلط (¬٣) متصفًا بصفات العدالة (¬٤)، سليم الذهن، قليل الوهم، سليم الاعتقاد.
٣. إن كانت الرواية بالعنعنة يجب أن يثبت لقاء الراوي بشيخه.
٤. أن يكون خاليا عن العلة (¬٥) والشذوذ (¬٦).
_________
(¬١) شروط الأئمة الستة، للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، ويليه شروط الأئمة الخمسة (ص: ٥٧ - ٥٨)، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص: ١٣ - ١٥).
(¬٢) وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، موهما أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر. مقدمة ابن الصلاح (ص: ٧٣).
(¬٣) فساد العقل أوعدم انتظام الأقوال بسبب خرف أو عمي أو غير ذلك. مقدمة ابن الصلاح (ص: ٣٩١).
(¬٤) أن يكون مسلمًا، بالغًا، عاقلًا، سالمًا من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظًا غير مغفل، حافظًا إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه، إن حدث من كتابه. وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني، والله أعلم. . مقدمة ابن الصلاح (ص: ١٠٥).
(¬٥) فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها. مقدمة ابن الصلاح (ص: ٩٠).
(¬٦) قال الشافعي رضي الله عنه: " ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس ".
وقال ابن الصلاح: " إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك، وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به، لم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارمًا له، مزحزحًا له عن حيز الصحيح".
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف، والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم. مقدمة ابن الصلاح (ص: ٧٩).

الصفحة 30