كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: المقدمة)

وقد ردّ هذا الحديث إمامُ الحرمين قائلاً: " يرويه محمدُ بن يعلى السُّلمي عن عِنبسة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن نافع، عن نافع، وكلهم ضعفاء إلا نافعاً، وهو لم يلقَ أُمَّ سلمة.
فإن قالوا: روى ابن مسعود: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً، لم يقنت قبله ولا بعده ".
قلنا: يرويه أبو حمزة، ميمون القصاب، ولا يحتج به.
ويتجه حمله على غير الصبح، والدليل عليه ما روي: أنه قيل لأنس: " إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً، فقال: ما زال يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا (¬1) ".
ولو نظرنا فيما قاله أئمة الحديث، لوجدناهم يُضعِّفون الحديثين بمثل ما قاله إمام الحرمين، وبعبارة أخرى: وجدنا إمام الحرمين يحكم على الحديثين بمثل ما قاله أئمة الحديث.
فنجد الدارقطني يقول عن رواة حديث أم سلمة: " محمد بن يعلى، وعنبسة، وعبد الله بن نافع كلهم ضعفاء، ولا يصح لنافع سماع من أم سلمة (¬2) ".
وهذه كما ترى عبارة إمام الحرمين نفسها، ونجد ابنَ الجوزي يقول عن الحديث نفسه: " تفرد به عِنبسة، قال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: هو صاحب أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به (¬3) ".
ومما يجب أن نسجله هنا أن حديث ابن مسعود الذي ضعفه إمام الحرمين لا وجود له في سنن الدارقطني، نقول ذلك حتى نقطع قولَ الذين يقولون: إن اعتماد إمام الحرمين كان على سنن الدارقطني وحدها.
هذا، وحديث ابن مسعود معلول -كما قال إمام الحرمين- بأبي حمزة ميمون
¬__________
(¬1) الدرة المضية: 126، 127 مسألة رقم 83.
(¬2) سنن الدارقطني: 1/ 28. حديث رقم 5.
(¬3) العلل المتناهية: 1/ 445.

الصفحة 334