عُكَيْم لاشتماله على تاريخٍ مُشعِرٍ بالتأخّر، ورأى حديثَ ميمونة منسوخاً - وقد تكلمنا على الحديث.
23 - وذهب الزهري (¬1) إلى أن جلدَ الميتةِ طاهرٌ من غير دباغٍ، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصّة شاةِ ميمونة: " هَلاّ أخذتم إهابها، فانتفعتم به ".
وليس للدِّباغ ذكرٌ في هذه الرواية.
ومعظم العلماء رأَوْا التعلق بالروايات التامّة المشتملة على ذكر الدباغ.
24 - وذهب أبو ثور (¬2)، والأوزاعي (¬3) إلى أنه لا يَطهُر بالدباغ إلا جلدُ ما يُؤكل لحمُه إذا مات.
وإنما حملهما على ذلك اختصاصُ خبرِ الدباغِ بالشاةِ الميتةِ، مع ما قرّرنا من أن الدباغ في حكم الرُّخص، وسبيلها أن لا يعدّى بها مواضعها في الشرع، ثم لا شك أن كل ما يُؤكل لحمه في معنى الشاة.
25 - وأما أبو حنيفة، فإنّه صار إلى أن جلدَ الكلبِ يَطهُر بالدباغ (¬4). وطريقة مذهبه التعلقُ بعموم لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال: " أيّما إهاب دُبغ، فقد
¬__________
(¬1) الزهري: أبو بكر محمد بن مسلم، ابن شهاب الزهري، التابعي. أعلم الحفاظ. توفي سنة 124 هـ. (تذكرة الحفاظ: 1/ 108).
(¬2) أبو ثور، إِبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور الكلبي البغدادي، قيل: كنيته أبو عبد الله ولقبه أبو ثور، كان أحد أئمة الدنيا، فقهاً وعلماً وورعاً، وفضلاً وخيراً، كان يتفقه بمذهب الأحناف، حتى قدم الشافعي بغداد، فلزمه، وهو من جهابذة الحديث، الذابين عن السنة توفي 240 هـ. قال النووي: ومع صحبته للشافعي، فهو صاحب مذهب مستقلّ، لا يعد تفرده وجهاً في المذهب. (ر. تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 200، طبقات السبكي: 2/ 74، طبقات الفقهاء للشيرازي: 92).
(¬3) الأوزاعي، الإمام عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمِد أبو عمرو الأوزاعي، أحد أماثل المجتهدين، وَأفاضل المحدّثين، وأكابر أصحاب المذاهب المدؤنة المتبوعة، وإن انقرض مذهبه بانقراض أصحابه والمنتصرين له. توفي 157 هـ (ر: الدكتور عبد الله محمد الجبوري - فقه الإِمام الأوزاعي: 1/ 103، وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 298، وأعلام الزركلي).
(¬4) ر. البدائع: 1/ 85، رؤوس المسائل: 97 مسالة: 4، الهداية مع فتح القدير: 1/ 81، حاشية ابن عابدين: 1/ 136.