كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 2)

وفي ذلك شيءٌ يجبُ التنبيه لهُ، وهو أن الحديث المشتمل على نصف الليل كان يجب أن يُقطع بتنزيل المذهب عليه، ويُحمل حديث جبريل على أن مد الوقت إِلى الثلث فحسب لدرء المشقة، فإِنه عليه السلام قال في الحديث الآخر: "لولا أن أشق عَلى أمتي" فهذا الترتيب موجب لقطع القول، ولكن، ما استاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الذي فيه السواك مقصوداً فيما يبين المواقيت، ويمكن أن يقال: أراد عليه السلام التقريب بذكر النصف وأرسله مثلاً، وأما حديث جبريل فمسوق للمواقيت، فكان التعلّق به أولى.
ثم ما وراء الوقت المختار إِلى الفجر الصادق وقتٌ لأداء العشاء جوازاً على المذهب الظاهر، وقد تقدّم استقصاء ذلك في أثناء الفصول الماضية.
661 - وأمّا وقت صلاة الصّبح، فإِنه يدخل بطلوع الفجر الصادق، ويتقدّم الصّادقَ الكاذبُ، فيبدو الكاذبُ مستطيلاً، ثم يَمَّحق، ويبدو الصَّادق مستطيراً، ثم لا يزال الضوء إِلى ازدياد، ولا حكم للفجر الكاذب أصلاً، وسبيله سبيل كوكب يَطلع ويغرب، وهذا متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم "لا يغرنكم الفجر المستطيل فكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير" (¬1).
ووقت الاختيار إِلى الإِسْفار، ووقت الجواز إِلى طلوع الشمس.
فهذا بيان مواقيت الصّلاة ترتيباً على بيان جبريل.
¬__________
= العشاء الآخرة، ح 167، وتعليقات الشيخ شاكر بهامشه (1/ 310، 311)، والحاكم: 1/ 146، وابن ماجة: الصلاة، باب وقت صلاة العشاء، ح 691، وصحيح ابن ماجة: ح 565، وابن حبان: ح 1540، وسنن البيهقي: 1/ 36، 37، وشرح مشكل الوسيط لابن الصلاح، والتنقيح للنووي، كلاهما بهامش الوسيط: 2/ 18).
(¬1) حديث: لا يغرنكم الفجر المستطيل ... ، رواه الترمذي من حديث سَمُرَة، بلفظ مقارب، وهو في مسلم، بألفاظ كلها مقاربة لهذا المعنى، ورواه أبو داود، والنسائي. (ر. مسلم: الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، ح 1094، الترمذي: الصوم، باب ما جاء في بيان الفجر، ح 706، أبو داود: الصوم، باب وقت السحور، ح 2346، النسائي: الصيام باب كيف الفجر، ح 2173، والتلخيص: 1/ 177 ح 255).

الصفحة 22