كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 2)

644 - ثم صَدَّر الشافعي كتاب الصّلاة ببيان المواقيت، واعتمد في باب المواقيت حديثَ جبريل، وأجمعُ الروايات ما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمّني جبريل عند باب البيت مرتين، فصلّى بي الظهرَ حين زَالت الشمس، وصلى بي العصرَ حين كان ظل كلِّ شيء مثلَه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الصبح حينَ حَرُمَ الطعامُ والشرابُ على الصائم، ثم عاد فصلى بي الظهر حين كان ظل الشيء مثله، وصلى بي العصر حين كان ظل كُلّ شيء مِثْلَيْهِ، وصلى بي المغرب كصلاته بالأمس، وصلى بي العشاء حين ذَهب ثلُثُ الليل، وصلى بي الصبح وقد كاد حاجبُ الشمس يَطلع، ثم قال: يا محمد: الوقت ما بين هذين" (¬1).
فلتقع البداية بوقت صلاة الظهر تأسياً بما ورد في قصة جبريلَ.
فأول وقت الظهر يدخل بزوال الشمس، وهو انحطاطها عن منتهى ارتفاعها، فإذا انحطّت، فهذا زوالها، ثم إِنما يتبين زوَالُها بزيادة الظِّل بعد النقصان، وظل الشمس عند ابتداء طلوع الشمس مستطيل في صَوْب المغرب، ثم كلما ارتفعت الشمس، يتقلص الظل وينقص، فإِذا انتهت الشمسُ إِلى مُنْتهى ارتفاعها، وقف الظل، فإذا أخذ في الزيادة، فهذا أوّل الزّوالِ في الشرع، والشمس لا وقف لها، وهي دائبة في استدارتها على الخط الذي ترسمه، فلو ظن ظان أنها كما (¬2) تنتهي إِلى مداها، تنحط
¬__________
(¬1) حديث صلاة جبريل، رواه الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن خزيمة، والدراقطني، والحاكم. صححه ابن العربي، وابن عبد البر، وحسّنه النووي وابن الصلاح، كما صححه الشيخ أحمد شاكر والألباني. هذا. وقد اعترض النووي على الغزالي في قوله في هذا الخبر: عند باب البيت، وقال: المعروف، عند البيت. قال الحافظ: وليس اعتراضه جيداً، لأن هذا رواه الشافعي هكذا (ر. تلخيص الحبير: 1/ 173 ح 242، ترتيب مسند الشافعي: 1/ 50 ح 145، مسند أحمد: ج 5 ح 3081 تحقيق الشيخ شاكر، أبو داود: الصلاة، باب في المواقيت، ح 393، وصحيح أبي داود: 1/ 79 ح 377، الترمذي: أبواب الصلاة باب ما جاء في مواقيت الصلاة، ح 149، وصحيح الترمذي: 1/ 50 ح 128، وابن خزيمة: ح 325، والدارقطني: 1/ 258، والحاكم: 1/ 193 وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي: 1/ 367، والمشكاة 583، والإِرواء: 249).
(¬2) "كما" بمعنى عندما.

الصفحة 7