كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 4)

معه، فناداه صاحبُ المواقيت: بأن الشمس لم تغب، فقال رضي الله عنه: بعثناك داعياً، وما بعثناك راعياً " (1). وهذا دليلٌ أولاً على أنه لا يجب التوقفُ في الفطر إلى درك اليقين.
وفي الأثر إشكالٌ، من جهة أن ظاهرَه مشعرٌ بالإنكار على ذلك المخبر، وما نرى الأمرَ كذلك، بل كان حقاً عليه أن يخبر، فلا محمل لكلام عمر إلا شيئان: أحدهما - النهي عن أصل المراعاة، وهذا فيه نظر أيضاً؛ فإنه ليس يتجه منعٌ عن هذا، فالوجه حمل ما كان منه على (2) بادرة اقتضتها قوةٌ غضبية (3).
وكان شيخي يحكي عن شيخه أبي إسحاق الإسفرائيني النهيَ عن الاجتهادِ والاعتمادِ عليه في هذا، وفي وقت الصلاة، إذا أمكن الوصولُ إلى درك اليقين.
ولو أفطر الإنسان في آخر النهار مجتهداً، فعليه القضاء، وإن لم يَبِن الخطأ على رأي الأستاذ (4). وعند غيره لا قضاء إذا لم يتحقق الخطأ. ولو أفطر في آخر النهار، من غير اجتهاد، ولا تحقق، ثم لم يتبين [أنه] (5) كان في نهار أو ليل، فالذي قطع به الأصحاب أنه يلزمه القضاء، فإن وجوب الصوم واستصحاب النهار تجرَّدَا، ولم يعارضهما تعلقٌ باجتهاد، ولا [يقين] (6). ولو فُرض في أول النهار اجتهادٌ، ولم يتبين الخطأ، فالوجه القطع بأن لا قضاء [ولو فرض أكلٌ من غير اجتهاد، ولم يتبين أمرٌ، فالوجه القطع بأن لا قضاء] (7) أيضاً اكتفاء باستصحاب الحال.
__________
(1) أثر عمر رضي الله عنه رواه البيهقي -بلفظ إمام الحرمين-: 4/ 217، وبلفظ آخر رواه الشافعي في الأم: 2/ 96 (ر. التلخيص: 2/ 403).
(2) هذا هو الشيء الثاني لمحملي كلام عمر.
(3) وفي هامش الأصل ما نصه: قيل: يجوز أن يقال: إن الإنكار كان في موضعه؛ فإن عمر أفطر
بالاجتهاد، وصاحب المواقيت أخبر عن اجتهاد، لا عن مشاهدة، وليس للمجتهد الإنكار
على المجتهد. ا. هـ.
(4) الأستاذ: أي أبو إسحاق الإسفراييني فهذا لقبه في لسان الإمام.
(5) ساقطة من الأصل.
(6) في الأصل: تعين.
(7) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

الصفحة 22