كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 4)

فمن (1) استقاء عامداً، لم يخلُ من ثلاثة أحوال، إما أن يزدرد قصداً شيئاً مما ردَّه، فلا شك في الإفطار، إذا كان كذلك.
2298 - والحالة الثانية أن يستقيء قصداً، ثم يتحفظ، ويعلم أنه لم يرجع شيء إلى جوفه، فإن كان كذلك، ففي الإفطار وجهان: أحدهما - لا يفطر؛ فإن الفطر في هذا القبيل مما يدخل، لا مما يخرج، وإخراج شيء من هذا المسلك يضاهي إخراجَه من السبيلين. والوجه الثاني - أنه يفطر لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: " من استقاء عامداً أفطر "، ولم يفصّل بين أن يرجع شيء أو لا يرجع.
والحالة الثالثة - أن يستقيء ويتحفظ جهده، فيغلبه الأمر ويرجع (2) شيء إلى حلقه. فإن قضينا بأنه يُفطر إذا استقاء، ولم يرجع شيء، فلا شك أنا نحكم بالإفطار هاهنا. وإن حكمنا بأنه لا يفطر إذا استقاء، ولم يرجع شيء، فهاهنا إذا رجع شيء من غير قصد في الازدراد، خرج المذهب على ما أشرنا إليه في وصول الواصل عند المبالغة.
فإن قيل: الغالب أنه لا يرجع شيء إذا استقاء [المرء] (3) فالرجوع نادر. قلنا: ليس كذلك، فإنه يمتزج منه بالريق ما يمتزج، ثم يتفق الازدراد، ولعل سبب النهي عن الاستقاء هذا. فالحكم بالإفطار عند بعض الأصحاب محمول على أن الاستقاء لا يخلو من رجوع شيء.
فإن قيل: الماء المستعمل بالمضمضة يمتزج بالريق أيضاًً، فهلا عددتم نفسَ المضمضة من غير مبالغة من الأسباب التي توصل الشيء إلى الجوف؟ قلنا: الكلام على هذا من وجهين: أحدهما - أن الريق في طباعه لا يمازج الماء، ويمتاز عنه بغلظ ولزوجهَ، والذي يمج الماء من فيه لا يجد للماء أثراً إلا البرد، والذي تردّه الطبيعة
__________
=النسائي في الكبرى: ح 3123، الدارقطني: 2/ 181، البيهقي: 4/ 220، الحاكم: 1/ 426، التلخيص: 2/ 364 ح 885).
(1) (ط) ومن.
(2) في (ط): فغلبه الأمر ورجع.
(3) ساقطة من الأصل.

الصفحة 30