كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 4)

رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا صنعت؟ فقالت: " صمت ما أفطرت، وأتممت ما قَصَرت ". فقال: " أحسنت " (1). وقوله صلى الله عليه وسلم: " الصوم في السفر كالفطر في الحضر " (2). (3) محمول على مكابدة الصوم، مع ظهور الضرر.
وروي: " أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في السفر، يُظَلّلُ، وينضح بالماء ويهادَى بين رجلين، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا أنه صائم، فقال عليه السلام: إن الله عز وجل عن تعذيب هذا نفسَه، لغني " (4). وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم: " ليس من البر الصيامُ في السفر " (5) وينزل قوله العام على السبب، ولا يبعد ذلك.
فإذا ثبت الأصل، فالمسافر بالخيار بين الصوم والإفطار، والصوم أفضل من الفطر، إذا لم يظهر ضررٌ ظاهرٌ، والقول فيه أنه إن كان يخاف إفضاءه إلى مرض، فهو
__________
(1) حديث عائشة رواه النسائي، والدارقطني، والبيهقي، وإسناده صحيح (النسائي: كتاب تقصير الصلاة في السفر، باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة، ح 1456، الدارقطني: 2/ 188، البيهقي: 3/ 142، خلاصة البدر المنير: 1/ 20 ح 696، التلخيص: 2/ 92 ح 604).
(2) حديث: " الصوم في السفر كالفطر في الحضر ". رواه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مرفوعاً، وقال: قال أبو إسحاق: هذا الحديث ليس بشيء (الصيام، باب ما جاء في الإفطار في السفر، ح 1666) ورواه النسائي موقوفاً على عبد الرحمن بن عوف (الصيام، باب ذكر قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، ح 2286، 2287، 2288) (ر. التلخيص: 2/ 394 ح 919).
(3) في هامش الأصل: حاشية: تأويل الحديث: أن الفطر جائز في الحضر خارج رمضان، والصوم أفضل منه، كذلك الصوم في رمضان جائز للمسافر، والفطر لمن يتضرر أفضل منه، من المكابدة.
(4) حديث: " إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني " هذا اللفظ ورد فيمن نذر أن يحج ماشياً، وهو متفق عليه، وأما ما جاء في الصوم فهو الحديث التالي لهذا السطر.
(5) حديث " ليس من البر الصيام في السفر " متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، واللفظ للبخاري (ر. البخاري: الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر: ليس من البر الصيام في السفر، ح 1946، ومسلم: الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، ح 1115).

الصفحة 51